
محمود عبد الكريم
الشائعات وخطرها
الشعوب الواعية لا تتأثر بالشائعات فى أوقات التحول من الجمود الى النهضة الشاملة كتلك التى تعيشها مصر الآن خلال السنوات الست الماضية ولا تزال مستمرة.
فالشائعة أشدّ فتكاً من القتل حيث إنها وسيلة للفتنة والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد وهدر الدماء وهى أداة وبيئة خصبة للفاسدين والمفسدين وأصحاب القيل والقال، ولذلك فهى معول هدم لا بناء، وتجذّر الطاقة السلبية والانهزامية وعدم الثقة بدلاً من الإنتاجية والطاقة الإيجابية.
وبالتالى تساهم الشائعة فى الكثير من الآثار السلبية والمدمّرة على الفرد، ومن ذلك على سبيل الأمثلة لا الحصر:خلق حالة القلق والعبث بالصحة النفسية للأفراد والمواطنين، من خلال الحرب النفسية وتحطيم المعنويات واستبدالها بالتواكل والتخاذل والسلبيات، وبالتالى تؤثّر على أمنهم المجتمعي، وإرباك وزعزعة الثقة بالمنتجين والإنتاج، والمتأثرون من ذلك الأبرياء والشرفاء، واستبدال روح العطاء بالروح السلبية والقيم الكاذبة والمفبركة، وإضعاف الثقة بالنفس، وانهيار منظومة القيم والأخلاق وظهور السطحيين والضعفاء ليسيطروا على المجتمعات ويصبحوا مصدرا للمعلومة وأصحاب قرار، والتشهير وتشويه سمعة العلماء ودعاة الحق والشرفاء. والشائعة يمكنها تأجيج العداوة والبغضاء بين الأفراد والأسرة والمجتمع على السواء، وبث الرعب بين الأفراد وغرس بذور الفتنة الطائفية ونشر الأحقاد والكراهية وخلخلة الاستقرار، والطعن فى نزاهة ومصداقية الكبار، وقتل روح الإبداع والإنتاجية لدى الشباب كصناع وأدوات للتغيير وقيادات للمستقبل، وخلق حالة فقدان الثقة وتلاشى مفهوم القدوة الحسنة،، وخلق أجيال مهزوزة وغير سويّة وفاقدة للثقة بنفسها ومن حولها وكل الناس، وهذا بالطبع عكس سنّة الحياة، والقائمة تطول حيث هنالك الكثير من الآثار المدمّرة والسلبية على الأفراد وبالتالى على المجتمع برمّته. ومروجو الشائعات هدفهم الأساسى إعاقة مسيرة الإصلاح الشامل وإعادة الدولة الى المربع الأول، ولذلك فإن الإيمان الراسخ بالقيادة وثوابت الدولة، والوقوف وراء قادة الوطن من أهم البل لمحاربة الشائعات كذلك لا بد من عدم السير خلف إثارة النعرات والبلبلة وزعزعة الأمن، وإفساد الحياة العامة وهدر ثروات الوطن والإضرار بالمصالح العامة والعلاقات الدولية، وعدم تعزيز مجتمع الكراهية والعداوة والتوتر.
لذا من المهم محاربة الشائعات من خلال الفهم الدقيق لأسبابها، والتى أساسها الجهل وسوء استخدام وسائل التواصل الإجتماعى وفضول البعض وخوضهم فيما لا يعلمون، وغياب الوعى الثقافى والأمنى وحس المسئولية وكشف الطابور الخامس.
ومحاربة الشائعات يكون أيضا بتحكيم العقل وبتعظيم لغة التحليل والمقاربة وتماسك الجبهة الداخلية والثقة بأجهزة الدولة والمصادر الرسمية وخصوصاً المنابر الإعلامية والثقافية والدينية والاجتماعية منها، وعدم ترديد الشائعة والخوض فيها، لأن ترديدها يعنى ترويجها وانتشارها وتضخيمها، وضرورة استقاء المعلومة من مصادرها الرسمية وردّ الأمر لأهل الاختصاص لأنهم أدرى بالحقائق الصحيحة من الكاذبة، وتماسك النسيج الإجتماعى وتمتين الجبهة الداخلية بين الأفراد والمجتمع ومؤسسات الدولة، وركائز ذلك الإيمان والثقة المتبادلة والثقة بمؤسسات الدولة ومسئوليها وحسن الظن والوحدة الوطنية.
الخلاصة أن الشائعة مدمّرة للفرد والمجتمع، ومطلوب تضافر الجهد والعمل لكبح جماحها من خلال التنسيق بين كل الجهات لوضع حد لها ولمروجيها وصانعيها ومادتها وحدثها وزمانها ومكانها وشخوصها ومروجيها وكل ما فيها. لأنه فى عالمنا اليوم، وبفضل قنوات التواصل العديدة التى توفرها شبكة الإنترنت، وبفضل مواقع التواصل الاجتماعى، اضمحل الفارق بين الخبر والشائعة، بين الجد والهزل، بين المعلومة الموثقة والهراء. وأضحت «المعلومات» أو الأفكار التى يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها، تنتشر بسرعة جنونية - أو فى مصطلح اليوم بسرعة فيروسية -لدرجة بتنا غير قادرين للوهلة الأولى على التمييز بين ما هو قابل للتصديق وما هو مجرد اختلاق بغرض الإثارة أو البلبلة أو مجرد النكتة والسخرية.
واحد من أخطر ما ينتشر دون تمحيص أو تفنيد، ودون رقيب أو حسيب هو الشائعات المرتبطة بالسِّلْم الاجتماعى ووحدته وترابطه، كتلك التى تؤصل للطائفية أو القبلية، أو تعمل على تقويض وحدة المجتمع والوطن. وسواء كان هذا الانتشار يتم بشكل تلقائى دون أن يدرى ناقل الخبر شيئاً عن مصداقيته، ودون أن يعى مدى أثره التخريبى فى نسيج المجتمع، أو كان الانتشار ممنهجاً ومقصوداً بهدف التحريض ضد الآخر أو الترويج لفكرة هجومية يقصف بها جبهة مناوئيه، تظل النتيجة واحدة وهى تستطيح وعى الأفراد وتشجيعهم على إعادة نشر الشائعات دون إمعان العقل والتبصر فى المحتوى المنقول بالإضافة الى حقن عقول البسطاء بالكراهية والشحن الطائفى دون تفكير. والحقيقة أن كثيرا منا أصبح يعيد نشر ما يصله من شائعات تلقائياً دون إدراك لخطورة محتواها.، وهذا اخطر ما فى الحروب النفسية بين الشعوب ووسيلة قاتلة للقضاء على أمن واستقرار أى أمة.