الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«العدالة الجغرافية».. صفقة القرن المصرية

قراءة فى فلسفة المشروع القومى لتطوير 4500 قرية وتوابعها لتحسين حياة 57 مليون مواطن

«العدالة الجغرافية».. صفقة القرن المصرية

فى خطابه بمناسبة بدء الولاية الثانية للرئاسة أعلن الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أن فترة رئاسته الجديدة هى مرحلة «بناء الإنسان». بعدما استطاعت الدولة تجاوز مرحلة عصيبة انشغلت فيها بتثبيت أركانها بعد فترة فوضى ممنهجة استهدفت الكيان الوجودى للدولة المصرية.



فى ذلك الخطاب أصر الرئيس على تكرار عبارة «بناء الإنسان» فى مواضع عديدة، ذلك لأنه يعلم علم اليقين أن مساحات وعى هذا الإنسان وتفاصيل تلبية احتياجاته هى المناطق السانحة لاختراق وجدانه وربما دفعه دون إدراك لأن يكون أداة أو معولًا لهدم وطنه!

قيمة الإنسان المصرى فى ذهنية السيسى عظيمة عظمة إدراكه بأن هذا الإنسان مسكون بأصل الحضارة، تلك القيمة التى كان إدراكها دافعًا فرض على السيسى أن يحمل باقة ورد ويقدم اعتذارًا معلنًا لفتاة مصرية كانت قد تعرضت منذ ما يزيد على ست سنوات لمضايقات فى ميدان التحرير.

لقد كان خطاب الولاية الثانية بمثابة وعد رئاسى ثقيل ألزم السيسى به نفسه أمام الشعب المصرى وأمام ضميره الوطنى ومسئولياته الدستورية، ومنذ اليوم الأول لهذه الولاية تحول «الوعد» إلى «عقد» صاغ السيسى بنوده إذعاناً لخدمة مصر وشعبها.

 

■ ■ ■

 

التجربة تقول إن عبدالفتاح السيسى الذى واجه قدره بالتصدى لمسئولية إنقاذ هذا الوطن ثم إدارته، كان عاقدا العزم منذ اللحظة الأولى على أن تمتد يداه وتطأ قدماه كل مساحات الإهمال التاريخية التى حاصرت حياة المواطن المصرى، فأثقلت كاهله واعترت بالتجريح وبالسوء مساحات الانتماء داخل وجدانه لوطن وقف عاجزًا لسنوات عن تلبية ضرورياته. منذ اللحظة الأولى قرر السيسى القضاء على فكرة «الوهم الاستراتيجى» التى تاجرت بها أنظمة تارة باسم الشعبية، كما تاجرت بها تارة أخرى نخب سياسية رفعت شعارات «العدالة الاجتماعية» دون حديث جاد عن آليات تطبيقها، فظلت لسنوات تُمارس «التجارة السياسية» باحتياج الشعب المصرى للحياة الكريمة، وظلت رموز تلك النخبة تستثمر فى آلام المصريين وإعادة تدويرها لتضمن لنفسها مساحات فى صحف أو على شاشات القنوات أو حتى فى قوائم التمويل، جنبًا إلى جنب مع تنظيم إخوانى إرهابى استخدم احتياج المصريين وسيلة للقهر والتجنيد القسرى دون فكرة واحدة مخلصة لتغيير الواقع الأليم.

 

■ ■ ■

 

اتساقًا مع الأداء الرئاسى الذى اعتقد منذ لحظة الترشح الأولى اعتقادًا جازمًا بحتمية المواجهة، أطل علينا السيسى منذ أيام قليلة فى بورسعيد معلنًا إصراره على البدء الفورى فى تنفيذ مشروع تطوير القرى المصرية، الذى هو بمثابة إعادة انتشار وتمركز  للدولة المصرية على كامل مساحة امتداد جغرافيتها، وصولًا إلى ٤٥٠٠ قرية وتوابعها يقطنها مايقارب ٥٧ مليون مصرى، وقف السيسى ليقول لهم: «أينما كُنتُم ستدرككم مصر».

 

■ ■ ■

 

ما أعلنه السيسى ليس برنامجًا انتخابيًا بل تكليفاً رئاسياً أصبح واجب النفاذ بقوة مصر وبقوة الأمر المقضى، ما أعلنه تكليفا وطنيا لإعادة مراكمة رصيد الانتماء الاستراتيجى الذى استنزفته سنوات التجاهل والخداع والممارسة الاحترافية للوهم والإيهام.

فور صدور التكليف بادر مجلس الوزراء بعقد اجتماعه الأول تحت مسمى «اللجنة الرئيسية لمشروع تطوير قرى مصر»، برئاسة رئيس الوزراء مصطفى مدبولى ومشاركة وزراء (الكهرباء، البترول، التربية والتعليم والتعليم الفنى، التخطيط، المالية، التنمية المحلية، الاتصالات، الإسكان، التضامن الاجتماعى، والإنتاج الحربى)، وفِى حضور من وزير الداخلية ورئيسى الهيئة العربية للتصنيع والهيئة الهندسية، الجميع لبى النداء والاستدعاء مصطفًا فى ملحمة وطنية بقوة الأمر الرئاسى الذى أعلن عن انطلاق «صفقة القرن المصرية»، لخدمة المصريين تحقيقًا للعدالة الجغرافية فى كل قرى مصر.

لقد وضع السيسى بهذا التكليف منهج عمل لكل المحافظين وأعاد التوصيف الوظيفى الدقيق لمسئولياتهم المؤسسية على وجه التحديد.

 

■ ■ ■

 

صفقة القرن المصرية هى إعادة لترميم كيان الأمن القومى المصرى الذى أصابته تصدعات الزمن، عن طريق شديد المشقة فرض السيسى على نفسه السير فيه حتى منتهاه وصولاً إلى المصريين فى كل قرى ونجوع مصر، وصولًا إليهم فى ٤٥٠٠ قرية وتوابعها بتكلفة ٥٠٠ مليار جنيه، قرر السيسى إنفاقها لبناء حياة كريمة للمصريين.. المشروع صراع حقيقى مع الزمن لإتمامه خلال ثلاث سنوات، ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية:

- المحور الأول: هو محور البنية الأساسية ويشمل (توصيل المياه، توصيل الغاز، شبكات الصرف الصحى، رصف الطرق، تبطين الترع، مد شبكات الرى الحديث). 

- المحور الثانى: هو محور الخدمات ويشمل (الصحة، الزراعة، التعليم، التموين، برامج الحماية الاجتماعية).

- المحور الثالث: هو استقصاء آراء أهالى القرى لمعرفة مطالبهم واحتياجاتهم.

كل ذلك إلى جانب هدف رئيسى وهو ربط القرى بالعاصمة الإدارية الجديدة، من خلال استكمال شبكة الطرق العملاقة وشبكات القطارات الحديثة.

 

■ ■ ■

 

من قبل أطلق السيسى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وأصر عليه، فنال من الهجوم ما نال وظهرت النخبة تتحدث عن «فقه الأولويات» بعدما احترفوا« فقه التمويلات»، وهم مدركون أن ماحدث ليس اختراعًا بل استباق لحالة امتداد عمرانى طبيعى نحو الشرق كانت ستحدث حتما ولكن من خلال سياق عشوائى، وربما لو عدنا إلى مواقفهم وكتاباتهم المؤرشفة فترة حكم الراحل محمد حسنى مبارك لوجدناهم يتحدثون عن العاصمة الإدارية تحت مسميات الحلول غير التقليدية أو التفكير خارج الصندوق للقضاء على التلوث والزحام والتكدس فى القاهرة، فلما قرر السيسى البدء فى هذا المشروع، عادوا إلى التخندق داخل صناديق أفكارهم وشعاراتهم التى تجاوزها الزمن.. المزايدون بشعارات العدالة الاجتماعية بغطاءات السياسة أو العمل الأهلى داخل منظمات المجتمع المدنى مدعوون الآن للمشاركة فى هذا المشروع بتقديم الأفكار والرؤى والمبادرات المادية، الجميع مدعو لأن يكون عطاؤه برهانًا لوطنيته.

 

■ ■ ■

 

عبدالفتاح السيسى الذى ألزم نفسه أمام جموع المصريين بهذا المشروع كان يدرك ماذا يريد من أجل تحويل شعار «العدالة الاجتماعية» إلى دستور عمل ملزم يتحقق بتفاصيل خريطة محددة «للعدالة الجغرافية» فى ربوع المحروسة.

مشروع تطوير القرى حلم ضخم سيتحقق بأياد مصرية، وبمستلزمات إنتاج مصرية خالصة، وبمشاركة كافة شركات المقاولات المحلية المتواجدة فى محافظاتها وبسواعد الكادحين من أبناء هذه المحافظات ليوفر بذلك آلاف من فرص العمل ويدفع عجلة الإنتاج المحلى دفعًا قويًا من أجل ضخ المستلزمات المطلوبة لتنفيذ المشروع.

دعوة السيسى جاءت لتكشف حقيقة حملات المزايدة التى تدفقت نحو الوعى المصرى لتروج لأكاذيب أن العاصمة الجديدة قد استحوذت على كامل جهود التنمية فى الدولة المصرية، فإذا بالرئيس يكشف عن صفقة مصرية خالصة من أجل تحويل حلم الحياة الكريمة لكل مصرى إلى حقيقة بعد أن قررت الدولة أن تأتيه سعيًا.

 

■ ■ ■

 

الرئيس المصرى الذى تحدث من قبل عن حتمية تجديد الخطاب الدينى لمواجهة الأفكار المتطرفة، قرر القيام بعملية اجتماعية نوعية خلف خطوط الإخوان والتطرف، بإعادة تموضع الدولة المصرية وتواجدها على أرضية المجتمعات والبيئات التى أدت ظروفها الاقتصادية والاجتماعية لأن تقع ضحية لتنظيمات الظلام، وتتحول إلى مفرخة للمخدوعين تحت وطأة ابتزازهم ومساومتهم على حقهم فى «حياة كريمة».

السيسى قرر منح كل مواطن حقه فى «حياة كريمة» إعمالاً للنص الدستورى، وليس من قبيل «الصدقات السياسية» التى تمتهن الإنسان المصرى.