
د. طارق الغنام
الذكاء الاصطناعى
تبدى الدولة فى الآونة الأخيرة اهتماماً خاصاً بالذكاء الاصطناعى الذى بات الشغل الشاغل للدول المتقدمة ورافداً مهماً من روافد التقدم والرفاهية ومدخلاً للثورة الصناعية الرابعة، لذا فقد أنشأت الدولة العديد من كليات الذكاء الاصطناعى فى الجامعات المصرية، كما اعتمدت إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعى تعكف الحكومة حالياً على تنفيذها من أجل توطين التكنولوجيا واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى لتحقيق أهداف مصر التنموية، ولقد كشف تقرير مؤشر «جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي» الصادر عن مؤسسة «أكسفورد إنسايت» Oxford Insights ومركز أبحاث التنمية الدولية عن مدى اهتمام الحكومة المصرية بالذكاء الاصطناعى، إذ تقدم ترتيب مصر فى المؤشر العام لجاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعى على مستوى العالم لتصبح الحكومة المصرية فى المركز( الـ 56) عالمياً بين (172) دولة، مقارنة بالمركز (الـ 111) بين (194) دولة فى عام 2019م، والحقيقة أن الذكاء الاصطناعى الذى يعد عملية محاكاة للذكاء البشرى والسلوك الإنسانى عن طريق الحاسوب سيكشف فى المستقبل القريب عن أشياء جديدة سيتغير بها وجه العالم وتختفى معه العديد من المعالم التقليدية كمحطات الوقود وسيارات الأجرة ومحلات تصليح السيارات وغيرها، فمحركات البنزين والديزيل التى تبلغ (20000) قطعة ستختفى ويحل محلها المحرك الكهربائى الذى يحتوى فقط على (20) قطعة ويستغرق فكه وتركيبه (10) دقائق فقط، وستختفى مضخات الوقود ليحل محلها محطات الشحن بالكهرباء، أما محلات إصلاح السيارات فسوف يحل محلها الوكيل الذى سينهى عملية الإصلاح ببساطة فى غضون دقائق معدودة، أما بالنسبة للاستشارات القانونية فسوف نحصل عليها عن طريق الحاسوب بدقة عالية تتفوق على المعدلات البشرية، كما أننا سوف نستغنى عن الطبيب التقليدى فى تشخيص الأمراض لأننا سوف نحصل على تشخيص دقيق مقارنة بالتشخيص الذى يقوم به البشر، وسوف يقوم بالعمليات الجراحية «روبوتات» قادرة التعامل مع المريض بدقة تثير التعجب، وسوف نستغنى عن السيارات الأجرة وسياراتنا الملاكى أيضاً لأننا سوف نستبدلها بالسيارة ذاتية القيادة والتى سيترتب على استخدمها التقليل من مخاطر الحوادث المرورية التى تتسبب فى فقد حوالى (مليون ومائتى ألف) شخص لحياتهم سنوياً على مستوى العالم.. فنحن مقدمون على ثورة تكنولوجية حقيقة ستتغير بها الطريقة التى نعيش ونعمل بها، وسينجم عنها تحولاً هائلاً ومعقداً، ولقد استعدت العديد من الدول لهذا التحول إذ نجد أن دولة الإمارات تستحدث وزارة للذكاء الاصطناعى وعلوم المستقبل، وتنشئ مراكز للإبداع والابتكارات فى الوزارات والدوائر الحكومية، وتستحدث كذلك مناصب فى هذه الجهات لتشجيع الابتكار مثل المدير التنفيذى للابتكار، كما تقوم باستحداث جوائز للابتكار والإبداع، فضلاً عن إطلاقها مبادرة تعرف بـ (10x ) فى إمارة دبى والهدف منها أن تسبق إمارة دبى ما توصل إليه العالم بعشر سنوات بواسطة التفكير المستقبلى البعيد عن الأطر التقليدية... وهذا يدعونا فى مصر إلى أن نزيد من جهودنا ليكون لنا مكاناً فى هذا العالم الجديد، ومن ثم فعلى رجال الأعمال أن ينتبهوا لمسار استثماراتهم القادمة لتتواكب مع الطفرة المقبلة، كما يجب على فقهاء القانون الاستعداد للتعامل مع هذه الطفرة، فإذا كان الذكاء الاصطناعى سوف يتغلغل فى مناحى الحياة البشرية وسوف تتولى «روبوتات» العديد من المسائل التى كان يتولها البشر كقيادة السيارات وغيرها فمن سوف يكون المسئول عن الأضرار التى سوف تتسبب فيها هذه «الروبوتات» فالقواعد القانونية التقليدية لن تكون قادرة على التصدى لهذا التحول الجديد، وحينئذ سيثور التساؤل عن المسئولية الجنائية، هل سيعاقب «الروبوت» أم مالكه أم الشركة المصنعة أم من قام بتعليمه؟ فى الحقيقة أنها مسائل معقدة تستدعى إعمال الفكر وتهيئة المجتمع لهذه الثورة التكنولوجية.