الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دعوة للإيجابية

دعوة للإيجابية

أواصل هذا الأسبوع ما بدأته فى مقال الأسبوع الماضى المعنون «دعوة للتفاؤل» فلن يأتي هذا التفاؤل سوى من خلال الدعوة للإيجابية، سيما وأن واقعًا جديدًا بدت معالمه جلية أمام المصريين.. وهو تعظيم قيم العمل والإنجاز، وذلك فى سرعة بغير تسرع وفى عجلة دون تعجل.. وتجاوز جميع الأزمات الطارئة وصولًا لأهداف استراتيجية نبيلة لمصر وللمصريين.



  فالواقع الذى نعيشه هو خليط من الفرص والأزمات، فى شتى جوانب الحياة المختلفة.. ففى كل يوم تخلق أزمة معينة تضيف تحديًا جديدًا إلى التحديات التى نواجهها، ولكن فى نفس الوقت تصاحب هذه الأزمة فرصة مواتية مرادفة لها.. هكذا هى الحياة وطبيعتها وحركتها، والناس ينقسمون فى تصرفاتهم تجاه الأزمات والفرص إلى مذاهب شتى فى فهمهم لها وتفاعلهم معها؛ فمنهم من يبقى على القديم ولا يستطيع مجاراة الأحداث المتجددة، ولا مواكبة تطوراتها، بل قد ينفر من الجديد وربما يعاديه، ويفضّل التمسك بما ألفه وما عرفه خلال مرحلة طويلة من الزمن.. ومن هؤلاء من يتكيف بسرعة مع المستجدات، ويحاول أن يرى لنفسه فى كل أزمة فرصة يستثمرها من أجل تحسين وضعه، رويدًا رويدًا، بمحاصرة دوائر الخلل، وتوسيع دوائر العمل. 

إذن.. إن التغيّر فى المجتمعات من الأحسن إلى الأسوأ أو العكس لا يمكن أن يتم إذا لم يكن قد سبقته جملة من العوامل الأساسية والظروف الموضوعية التى تمهد له وربما تكون مناخًا خصبًا لحدوثه، وإن معالجة هذه العوامل سلبًا أو إيجابًا لا تتم إلا عبر مرحلة طويلة وشاقة تكاد تساوى المرحلة التى أدت إلى انتشارها إن لم تتجاوزها؛ ذلك أن هذه التغيّرات الأساسية ما هى إلا صدى لعوامل أخرى داخلية، كانت هى السبب الحقيقى فى حدوث هذه الأعراض الخارجية التى نراها ونلمسها جميعًا، من هنا كان علينا أن ندرك أن إصلاح أحوالنا فى شتى المجالات مرهون بمدى استعدادنا لأن نغيّر الكثير من الأفكار التى نحمل، والتصورات التى نملك، والسلوكيات التى نمارس على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وما لم نصل إلى ذلك فإننا سنظل نتعامل مع الظواهر والأعراض لا مع الأسباب والمسببات الحقيقية. وعدم وعينا بذلك وإدراكنا له سوف يقودنا إلى المزيد من الفشل والتخبط فى تشخيص الداء فضلاً عن القيام بعلاجه. 

إن دفْع الناس بعضهم لبعض، وحملهم على العمل والإنجاز الحقيقى وتغيير ما تعودوا عليه من أفكار سلبية وسلوكيات منحرفة وعادات خاطئة أمرٌ فى غاية الصعوبة، ولن يتم إلا من خلال عملية طويلة مرحلية متدرجة مصحوبة بصبر وأناة ومثابرة، ولن يتم إلا عبر إقناعهم بأن لا خلاص ولا نجاة مما هم فيه إلا بالعمل على تغيير ما بأنفسهم وتشجيعهم على ذلك وتوعيتهم بخطورته وأهميته.. ومتى أدرك الناس ذلك وأيقنوا بأن عملهم هذا وإيجابيتهم سوف يخفف من معاناتهم اليومية وسوف يزيل مأساتهم، ويحول حالهم إلى حال أحسن، وهى عملية شاقة وليست يسيرة، تتطلب معاناة وصبرًا؛ لأنها تسعى إلى توعية أفراد المجتمع للقيام بعمل بشرى قصدى لا عشوائى بُغية الوصول إلى حياة أفضل تحقق لهم الرفاهية والسعادة التى ينشدونها ؛ لأنهم هم أداة العمل الحقيقية، وهم صانعوه، فكانوا أحق به وأهلًا له.

ورغم ما يعانى منه مجتمعنا من ظواهر سلبية عديدة، إلا أن هذا المجتمع لا يخلو من خير كثير، والخير فيه أصيل ودفين يحتاج اليد الحانية التى تَربت على كتفه، وتبتسم فى وجهه.. تُوجّهَه إن حارَ، وتحنو عليه إن استوحش، وتشجعه إن أصـاب، وتنبهه فى رفق إن أخطأ، حتى يشتد عُوده، ويقوى ساعده، ويستقيم سيره فى النهوض بأعبائه بخطى ثابتة، ورؤية ثاقبة، وعزيمة وثّابة.. هذا الرصيد علينا ألا نغفله، ولا تُنْسينا سَوْداوية بعض الجوانب، نَصَاعة جوانب أخرى، فكل عناصر الخير التى نفخر بها اليوم هى من نتاج هذا المجتمع، ومن نواتج بيئته.. ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: 11].. فالنفس البشرية وما فيها من أفكار ورؤى وتصورات هى الأساس فى كل خير يحدث وفى كل شر ينتشر، ولذلك كان العمل على إصلاحها والاهتمام بها هو سبب النجاح والفلاح فى الدارين، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9 ، 10]. وقد صار فى حكم البديهى أن المشاكل التى تعانى منها المجتمعات البشرية بشكل عام لا يمكن ردّ أسبابها عند التحليل لسبب واحد، بل هى ظواهر مركّبة معقّدة تختلط فيها عدة عوامل داخلية وخارجية بنسب متفاوتة، ولكن تظل المسئولية ملقاة على عاتق كل طرف من أطراف المشكلة .. وهو ما يدعو للإيجابية فى التعامل مع الأزمات (المفتعلة)!!.  وبالقانون تحيا مصر