الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تماثيل رخام على الترعة

تماثيل رخام على الترعة

صورة شعرية صاغها العملاق صلاح جاهين فى ستينيات القرن الماضى، وهو يترجم سياسات الثورة المصرية المنحازة إلى الغلابة وريف وفلاحين مصر، بعد معاناة لحقب وعهود من ظلم الاقطاع، وسياسات السراى وحكومات أحزاب الأثرياء، وعاشوا اضطهادا وإهدارا لحقوقهم، فى زمن ساد فيه الظلم الاجتماعى، وسعت ثورة يوليو لإزاحته عن كاهل قرى مصر.



بعد عشرات السنين من غياب زعيم الثورة وقائدها جمال عبدالناصر، تعود مصر مرة أخرى لأصولها وجذورها، وينتبه قائد الثورة وزعيمها عبدالفتاح السيسى، إلى الإهمال الذى عاد ليضرب بجذوره فى ريف مصر، وأحاله مجددا إلى أماكن رثة تفتقد لكل أشكال الخدمات الإنسانية وتتحول إلى مجرد تجمعات شبه إنسانية، لا تتواكب أبدا مع ما يجب أن يكون عليه الفلاح المصرى المؤسس التاريخى للدولة، وصاحب الافضال على الاقتصاد المصرى لمئات بل ربما آلاف السنين، منذ عهد الفراعنة وحتى الآن.

الحاصل أن تجاهل نحو4500 قرية مصرية خلال عشرات السنوات الماضية، زاد من مشكلاتها وأزماتها، وخلق واقعا سلبيا فى نفوس ما يزيد على نصف عدد سكان مصر، انعكس كله على واقعهم ونظرتهم للاوليو المتأخرة التى تمنحها الدولة لهم فى عمليات التنمية، وحالة التردى والانهيار فى الخدمات الاجتماعية من مرافق وخدمات، يتمتع بها سكان المدن ويعانى أهل الريف من غيابها أو نقصانها.

الحقيقة أن مشروع النهوض بالريف المصرى، أو تطوير وتحسن خدماته، مهما كانت المسميات، إلا إنه يمثل إنتقالة مهمة وعميقة، فى مسيرة الاعتمام للمواطن المصرى، ويؤكد رفض الدولة التمييز بين مواطنيها، وتقديم المدن على القرى فى أولويات التنمية.

المؤكد أن مشروع تطوير القرى المصرية، لن تتوقف آثاره عند حدود اقامة محطات صرف صحى أو كهرباء أو مد مواسير مياه الشرب وخطوط الكهرباء وتحسين المدارس وتطوير المنازل إلى ما ينبغى أن تكون عليه، لكنه بالقطع سينعكس وبصورة عميقة فى نفوس الناس وسيتسبب فى المزيد من الانخراط فى مشروعات التنمية من مختلف مجالاتها، وخصوصا فى مجالات التنمية البشرية، وتحسين وتطوير أداوت العملية التعليمية، والتى تسهم من جانبها فى الترقى بمعلومات النشء ومعارفهم، فضلا عن الجوانب الثقافية للمشروع، والتى ستقوم بها أدوات القوى الناعمة، بالتناوب على القرى من خلال قوافل مسرحية وتنشيط بيوت الثقافة، والساحات الشعبية ومراكز الشباب، ليعكس المشروع تصورا متكاملا لإعادة بناء الريف المصرى الحديث.

واقع الريف المصرى الحالى يحتاج لعرضه على المصريين، عبر كل وسائل الإعلام، فتقديم الصورة الحالية محطة مهمة فى مشروع تطوير قرى مصر، من المهم للغاية أن يعرف الناس الواقع، وكيف يعيش الناس فى القرى، ومستوى معاناتهم وأزماتهم المتعددة المتنوعة، هى بالقطع صورة مؤلمة، لكن وقد بدأن الدولة مشروع النهضة والتطوير، فلا مجال أبدا لإخفاء صورة هذا الواقع، بل نحن نحتاج لمشاهدته حتى نفهم عمليا حقيقة مشروع النهضة وأهميته، وما ستكون على الأوضاع فى نهاية المشروع.

معلهش يا عم صلاح، لن تكون هناك تماثيل رخام على الترعة وأوبرا فى كل مدخل قرية مصرية، وإنما سيكون فى مدخل كل قرية مصرية فلاح مصرى عصرى نتفاخر به وبمكونات قريته الحديثة.