
محمد صلاح
حرب اللقاحات.. والعدالة العرجاء
الحقيقة المؤلمة تؤكد أن لقاح كورونا لن يذهب لمن يحتاج إليه، بل لمن يدفع أكثر للشركات العالمية المصنعة للقاح وفى إطار اتفاقيات ثنائية، دون الالتزام بآليات منظمة الصحة العالمية، فالدول الغنية تكيل بمكيالين، تضغط على دول العالم الثالث فى ملف الحريات وحقوق الإنسان، وفى نفس الوقت تتخلى عن مبادئها ومسئولياتها وواجباتها فى حق الإنسان فى الحياة، بعدما تعاقدت على شراء جرعات تكفى لتحصين شعوبها 3 مرات، ليستحوذ 14% فقط من سكان العالم على 51% من اللقاحات، بينما تحرم المليارات من سكان الدول الفقيرة من الحق فى الحياة، لينتظروا معجزة إلهية، بالقضاء على الفيروس اللعين، تمنحهم الأمل فى البقاء.
الدول الغنية خذلت الفقراء فى حقهم للحصول على اللقاح، رغم أن الوباء هاجم العالم دون تفرقة بين الفقراء والأغنياء، وأصاب نحو 110 ملايين شخص حول العالم، ووفاة 2.5 مليون حالة، فضلا عن انتشار سلالات جديدة من الفيروس أكثر فتكا وخطورة على بقاء البشرية، لم تفرق أيضا بين سكان نصف الكرة الشمالى ونصفها الجنوبى.
الواقع يؤكد أن العالم يشهد حربا من نوع خاص، حرب بلا جواسيس، بلا معدات عسكرية، أو صواريخ عابرة للقارات، ولكنها حرب متعددة الأطراف، أشد خطورة على بقاء الإنسانية، حرب تمنح الحياة لـ 14% من سكان الكرة الأرضية، وتسلب الحق فى البقاء من 86% من سكان العالم، وهى حرب الحصول على مستحضر دوائى صغير من مواد وتركيبات كيميائية مضادة لفيروس كورونا، الذى أغلق دول العالم، وهدد بقاء البشرية على قيد الحياة.
الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن غدا الأربعاء، والقمة الافتراضية لقادة الدول الصناعية الكبرى «أمريكا، بريطانيا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، واليابان» المعروفة بـ»G7» بمبادرة من بريطانيا، كلاهما لن يأتى بجديد، ولن يضمن توزيعا عادلا للقاحات بين الدول الغنية والفقيرة، ولن يضع حدا لـ«حرب اللقاحات» والصراع الرهيب بين الدول الغنية للسيطرة على الأمصال لضمان تحصين شعوبها 3 مرات، على حساب الدول الفقيرة.
الدول الغنية تستخدم جميع قدراتها لتحقيق «العدالة العرجاء» التى تستهدف مصالح شعوبها أولا، وحمايتهم من الوباء، فالصراع لا يتوقف للاستحواذ على اللقاحات، بدليل الأزمة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبى، حيث قررت دول الاتحاد حظر تصدير اللقاحات الأوروبية إلى بريطانيا، واقتصارها على دول الاتحاد فقط، ردًا على عدم وفاء شركة استرازينكا البريطانية بتوفير 300 مليون جرعة، بزعم تعطل خطوط إنتاجها، رغم التزامها بتوفير 100 مليون جرعة لبريطانيا، بمعدل 2 مليون جرعة أسبوعيا، لتنتهى بريطانيا من تطعيم جميع مواطنيها خلال الربع الثانى من العام.
الدول الغنية عليها أن تدرك أنها لن تستطيع هزيمة الوباء بمفردها، وأن انتصارها لن يكون له جدوى إذا ظل الوباء فى أى دولة من دول العالم، وأنها ستدفع الثمن عاجلا أم آجلا، وسيستمر العالم فى دوامة الوباء، ما لم يتم توزيع اللقاحات توزيعا عادلا على الدول الغنية والفقيرة، وفى توقيتات متزامنة، فإذا كانت الدول الأكثر ثراء ستتحمل 38 مليار دولار تكلفة توزيع اللقاح على سكان 145 دولة فقيرة، فإنها فى حال الاستحواذ على اللقاحات، لن ينتهى الوباء، وسترتفع خسائرها إلى 4.5 تريليون دولار، فضلا عن استمرار الاقتصاد العالمى فى دوامة عدم التعافى.