الأربعاء 14 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الهوية المصرية بين مصطفى كامل وأحمد لطفى السيد

الهوية المصرية بين مصطفى كامل وأحمد لطفى السيد

يثور بين الحين والآخر سؤال يختلف فيه المثقفون حول هوية مصر، وهذا السؤال يطرح بشكل شبه مستمر نتيجة التغيرات التى شهدتها مصر تحديدا خلافا لغيرها من دول الشرق الأوسط، بعد أن أصبحت مصر خلال ومع بدايات القرن التاسع عشر مستقلة تقريبا عن الاستعمار العثمانى وكان من نتيجة هذه المتغيرات أن أصبحت مسألة الهوية هى الشغل الشاغل للمثقفين المصريين، حيث بدأ المثقفون فى هذه الفترة المبكرة من الاستقلال عن الدولة العثمانية يعيدون التفكير فى طبيعة أمتهم المصرية ولذا برزت إشكالية لمن الولاء؟



هل الولاء للقومية الدينية أم القومية القطرية بحكم الاشتراك مع بعض الدول فى فى الأرض الموحدة التى تجمع مجموعة من الأقطار فى قطعة محددة من العالم؟!

وكان الأهم بين أنماط القومية التى يجب أن تنتمى لها مصر عرقيا أو لغويا وهو الانتماء لنفس المجموعة أو الجماعة التى تتحدث نفس اللغة وتكون وحدة سياسية بهذه اللغة فيقال انهم العرب الحقيقة ان الهوية المصرية تبلورت أسرع من بقية دول الإمبراطورية العثمانية فور سقوط الدولة العثمانية عام 1924على يد مصطفى كمال أتاتورك وانتهاء فكرة الخلافة العثمانية التى عادت بالمنطقة ومصر تحديدا للخلف عشراات السنين، ولذا اتسم الفكر والنشاط السياسى المصرى تجاه الإمبراطورية العثمانية بارتفاع الحس الوطنى والتعبير عن الهوية المصرية بحرية ووضوح تجاه القومية العثمانية وفكرة الخلافة التى ابتدعها العثمانيون ليحتلوا دولا تحت شعار الهوية الدينية وبدأ الولاء للدولة العثمانية يتراجع خلال القرن التاسع عشر بحدة وظهر ذلك على المستوى الفكرى وبدأت دعوة المفكرين المصريين تتجه إلى وجود أمة مصرية لها ثقافتها ومفرداتها ولغتها وترتبط بأرض ودين له السيادة وكانت كتابات رفاعة رافع الطهطاوى تركز على الهوية المصرية المستقلة وجاءت الثورة العرابية لتؤكد الهوية المصرية برفض الأتراك والشراكسة واستيائهم منهم وكسر هيمنتهم الطويلة على مصر. 

ثم جاء الاحتلال البريطانى لمصر ليظهر فكر سياسى مقاوم خلال الفترة التى سبقت قيام الحرب العالمية الأولى وقد حددت المفاهيم التى صاغها كل من الزعيم الشاب مصطفى كامل الذى أسس الحزب الوطنى وحزب الأمة الذى اسسه المفكر والسياسى العظيم احمد لطفى السيد الخطوط العريضة للهوية المصرية رغم احتلاف التوجه بين كلا الزعيمين السياسيين، وكان فكر هذين الزعيمين بمثابة الذروة للتأكيد على الهوية المصرية الأصيلة بعيدا عن أية مؤثرات تكون الفترة العثمانية قد تركتها فى مصر فكثير من الأفكار القومية المصرية فى الفترة ما بين ثورتى 1919 و1952 كانت الى حد كبير تنقيحا للفرضيات الأساسية الى قدمها الزعيمان خلال السنوات التى سبقت الحرب العالمية الأولى. 

كان مصطفى كامل شابا تحكمه العاطفة الوطنية وكان معارضا عنيدا للاحتلال البريطانى ورغم ذلك كان مدافعا ثابتا عن الارتباط بالإمبراطورية العثمانية وكانت خطبه وكتابته تربط دائما ما بين الأمة المصرية والأمة الإسلامية ولم يكن يرى تناقضا بين ارتبط الأمتين باعتبار أن الخليفة العثمانى هو ممثل الأمة الأسلامية، وربما كان مصطفى كامل وهذا ليس دفاعا عنه كان مجرد بقايا ميل لرؤية مصر كجزء لا ينفصل عن المجتمع الإسلامى والحضارة الإسلامية 

أما أحمد لطفى السيد زعيم حزب الأمة ومحرر صحيفته الجريدة فقد اتخذ مواقف مختلفة تماما تجاه الإمبراطورية العثمانية فقد رفض تماما ارتباط مصر بالدولة العثمانية، وكانت رؤيته تستند الى رفض التبعية للخلافة العثمانية على أساس دينى وذلك أنه يرى ان الارتباط من هذا النوع يتعارض تماما مع القومية العلمانية التى كان يتبناها حيث الولاء الدينى أى أن الولاء الدينى يتناقض مع الفكرة المقدسة أن مصر للمصريين وأن مصالح مصر السياسية هى الأساس السليم للعمل السياسى وانها لن تتحقق من خلال توجه دينى قد يثير حفيظة الغرب المسيحى فى حال الارتماء فى أحضان الإمبراطورية العثمانية وعدم التخلص من هذا الارتباط!!

وفى سبيل تأكيد الهوية المصرية كتب أحمد لطفى السيد الكثير من الانتقادات الموجهة للتيار الإسلامى الممالئ للعثمانيين فى أوائل القرن العشرين وكان يرى أن فكرة العالم الإسلامى كله يشكل وحدة سياسية يخدم الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية ويعيد هيمنتها على العالم العربى الإسلامى وأنه آن الأوان أن يتبرأ المصريون من التعصب الدينى الأعمى.