الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
الحُب!

الحُب!

بالتأكيد سنتفق سويًا على أننا نحتاج أحيانا إلى أن نسند ظهورنا إلى الحائط ونحلق فى السماء أو إلى سقف الغرفة؛ لنستغرق فى استعراض وتأمل مفردات حياتنا من علاقات بيننا وبين البشر فى المجتمع من حولنا، ونحاول تقييمها من حيث كينوتها وتوصيفها بما تشى به من مدلولات، ونتوقف كثيرًا أمام تحليل نظرتنا للبعض، ونسأل أنفسنا عن كُنه العلاقة بين ( س ) أو ( ص ) منهم أو منهن، وهل هذا الإحساس الخاص نحوهم أو نحوهن؛ يرقى إلى مايسمَّى بـ«الحُب»؟



وصحيح أن الناس اختلفوا منذ القدم فى محاولة تعريف مامعنى الحُب، فنجد أن البشر جميعًا قد اتفقوا على ألا يتفقوا على صيغة محددة لتعريفه. فكل طائفة اتخذت تعريفًا مختلفًا بحسب تركيزها على المنظور الذى تنظر منه، ولا يرتبط هذا باعتناق الشخص لمذهب فكرى أو عقائدى أو أيديولوجي، فرأينا العشرات من التعريفات منها: اللغوى والفنى والاقتصادى والعصبى والدينى والفلسفى والأدبى وأقانيم الشعراء والفلاسفة!

عفوًا.. كنت أصبو إلى أن أبدأ الكتابة عن «الحُب» باللغة الرومانسية المطلوبة؛ والتقاط الألفاظ الوردية من قواميس اللغة؛ لأرصِّع بها كلمتى فى عيد الحب؛ ولكن الأمانة تقتضى أن أستعرض أبرز التعريفات المتداولة فى دنيانا، وعلى كل فرد أن يتعرف على الأرضية التى يقف عليها وينظر إلى العالم من فوقها، وليأخذ مايشتهى من تعريف يختص به قلبه وروحه ووجدانه. فالحب ليس مقتصرًا على العلاقة بين المرأة والرجل، بل هناك الحُب الأسمى بيبن الأم وأولادها، والصديق لصديقه الصدوق، وليس لنا من تعليق أو إبداء رأى أو معارضة حاشا لله ؛ لما أنجزته كلمات القرآن الكريم؛ حين وضع ملخصًا وافيًا شافيًا بكلمات بسيطة قاطعة مانعة؛ لوصف تلك العلاقة الأزلية بأنها: مودَّة ورحمة!

ولم يذهب شعراء الأغانى بعيدًا عن هذه المعانى السامية؛ فنحتوا كلماتهم حول هذا المضمون، واهتموا بإلقاء الضوء على تلك «الكيميا» الغريبة، التى حيَّرت العلماء فى تركيبتها وتكوينها، فنرى الشاعرالفذ عبد الفتاح مصطفي، فى رائعته «ليلى ونهاري»، التى شدت بها أم كلثوم، يقول فى مطلع الأغنية ولاحظ ترجمة المعانى القرآنية ـ، إذ يقول: الحُب هوَّ « الود» و « الحِنِّـيَّة».. عُمرُه ماكان غيرة وظنون وأسيَّة! ثم يقول متعجبًا ومخاطبًا محبوبته: مين اللى قال عزَّك فى ذل خضوعي/ واللا غلاوتك فى الهَوَى بدموعى /لو كنت أرضى بالهوان.. فين قلبى؟ وازَّاى تصونُه وتحكُمُه فى ضلوعى؟

وبما أن الناس فيما يعشقون.. مذاهبُ! فنجد الشاعر العربى الشهير»عنترة بن شداد» وحبه لـ «عبلة» يكتفى بمجرد ورودها على الخيال فيقول:

إن طيف الخيــال يا عبل يشفى ** ويداوى به فــــؤادى الكئيب

وهلاكى فى الحُب أهون عندى ** من حياتى إذا جفانى الحبيب!

ونجد العاشق الولهان «قيس بن الملوَّح» فى حبه لـ «ليلى» يقول:

أحبـك يا «ليـــــلى مـحبة عاشـق **عليه جـميع المصعبات تـهون

أحبـــــــــك حبًـا لو تـحبين مثلـه **أصـابك من وجـدٍ على جنـون!

وفى حين نرى الشعراء العرب «عنترة» و«قيس» قد فضحوا محبوباتهم على طول البلاد وعرضها.. نرى المطرب /محمد قنديل يقول لمحبوبه: عيونك سُود.. واقول: مش سُود؛ عشان الناس تتوه عنَّـك! فهذا الشاعر يتعامل بالأدب فى الحب كما يراه من منظوره، بلا تشهير أو فضح حبه وحبيته للعامة.

ولنستعرض سويًا رأى صناع الأدب فى تعريف الحب، ولنكتفِ برأى الأديب الكبير/عباس محمود العقاد كمثال صادق فى هذا الصدد، فبرغم عذاباته التى واجهها فى تجارب الحُب التى خاضها فى حياته العريضة، وبرغم القسوة التى تحملها؛ لكنه كان يقدس المعنى الحقيقى للحب، وتمخضت تجاربه عن إبداع روايته «سارة»، فالعقاد فى كتاب سيرته الذاتية ( أنا ) يقول: «... إن الحب عواطف كثيرة وليس بعاطفة واحدة، ومن هنا كان أقوى وأعنف من العواطف التى تواجه النفس على انفراد..

ففيه من حنان الأبوة، ومن مودة الصديق، ومن يقظة الساهر، ومن ضلال الحالِم، ومن الصدق والوهم، ومن الأثرة والإيثار، ومن المشيئة والاضطرار، ومن الغرور والهوان، ومن الرجاء والقنوط ومن اللذّة والعذاب، ومن البراءة والإثم، ومن الفرد الواحد والزوجين المتقابلين، والمجتمع المتعدّد، والنوع الإنسانى الخالد على مدى الأجيال. يسألونك عن الحب؟ قل هو اندفاع جسد إلى جسد، واندفاع روح إلى روح، ويسألونك عن الروح فماذا تقول؟ قُل هى من أمر ربى.. خالق الأرواح»!

إنه «الحُب» بكل جلاله وجماله واحترامه؛ والذى أنتهى بتعريفه باجتهادى ومنظورى الذى قد يقبله البعض أو يرفضونه.. أقول: الحب الحقيقى ليس فقط رومانسيّة وشمعة على مائدة العشاء و تمشية على الشاطئ، الحب الحقيقى هو الاحترام والتضحية والثقة فى الطرف الآخر.

ألم أقل إننا اتفقنا على ألا نتفق! فابحثوا معى عن تركيبة تلك «الكيمياء» العجيبة؛ التى لاتوجد ولا يتم إنتاجها؛ إلا فى معامل الروح والقلب والوجدان! أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون