الكتاب الإلكترونى فى نصف قرن

فى عام 1971 قام مايكل سترن هارت الطالب بجامعة الينوى بوضع إعلان الاستقلال الأمريكى على جهاز حاسب آلى رئيسى بالجامعة مما مكن 6 من الطلاب من قراءته.. تلك كانت خطوة ميلاد أول كتاب إلكترونى على الإطلاق.. خطوة سبقت إنشاء شبكة الإنترنت بمفهومها الممتد حيث كانت لا تزال فى إرهاصاتها الأولى تحت مسمى «اربانت» فى حوزة وزارة الدفاع الأمريكية لاستخداماتها الخاصة.

فيما بعد أنشأ مايكل ما أطلق عليه «مشروع جوتنبرج» تيمنا باسم يوهان جوتنبرج مخترع آلة الطباعة فى القرن الخامس عشر الميلادى والذى أحدث باختراعه هذا ثورة ونقلة نوعية معرفية للبشرية جمعاء لا تزال آثارها وفوائدها حتى وقتنا الحاضر وستستمر ممتدة فى المستقبل أيضا ولكن باختلافات.

مشروع جوتنبرج اعتمد على إتاحة الكتب بصورة إلكترونية من خلال موقع إلكترونى مجانى www.gutenberg.org يوجد به حاليا 60 ألف عنوان فى موضوعات شتى... بالطبع يحترم الموقع قوانين حقوق الملكية الفكرية وبالرغم من أن المشروع قديم ولا تزال الكتب الموجودة به فى صورة إلكترونية وليست رقمية أى أنه لا يمكن البحث داخل محتويات الكتاب أو وجود روابط لمواقع إنترنت أو مواد مصورة كما هو الحال مع الكتب الرقمية الجديدة إلا أن الموقع لا يزال جديرًا بالزيارة.

يقال: إن مايكل لم يكن مهتمًا كثيرًا بالنواحى التقنية لتطوير الموقع وتحويل الكتب من الصورة الإلكترونية إلى الصورة الرقمية الحديثة حيث انصب جل اهتمامه على إتاحة أكبر قدر ممكن من الكتب وهو أمر لم يتمكن من إنجازه بالقدر المطلوب حيث توفى فى العام 2011 أى أنه لم يشهد العقد الثانى من الألفية الثالثة والذى تصارعت فيه وتيرة التحول الرقمى وتغلغل شبكات التواصل الاجتماعى فالموقع حاليًا لا يحتوى إلا على 60 ألف عنوان فقط كما سبقت الإشارة.

الفكرة مهدت لنشوء المكتبات الرقمية ويأتى على رأسها مكتبة الكونجرس الأمريكى والتى تعد الأكبر على مستوى العالم كما أسهمت الفكرة فى تدعيم مبدأ التعليم عن بعد ومهدت الطريق أمام صناعة المعرفة وتطورها وانتشارها مع التطور الحادث فى النظم الإلكترونية وسرعة الشبكات وأدوات الدفع الإلكترونى وهى المبادئ المعروفة بالتجارة الإلكترونية كما أسهمت فى زيادة سرعة وفاعلية التواصل العلمى بين المتخصصين والباحثين والدارسين بصورة غير مسبوقة... أتذكر حوارًا مع صديق عزيز يتحدث عن معاناته فى الحصول على مصادر علمية للاستعانة بها فى رسالة الدكتوراه الخاصة به وكيف أن الحصول على مصدر واحد كان يستغرق أكثر من شهر وبتكلفة مالية كبيرة مقارنة بالتسهيلات الحالية فى العالم الرقمى حيث تم اختصار الشهر إلى دقائق معدودة.

تحية إلى هذا المبتكر المتميز وإلى فكرته التى غيرت وجه البشرية إلى الأفضل بكل تأكيد.