أدب المقالة
أثناء المحاولة العبثية غير الدورية لإعادة ترتيب ما لدى من كتب فوجئت بكتاب لا أتذكر متى حصلت عليه للفيلسوف الدكتور زكى نجيب محمود بعنوان «جنة العبيط» عبارة عن مجموعة من المقالات الأدبية الفلسفية بعضها سهل الفهم والبعض الآخر يحتاج إلى تركيز أو الاستعانة بصديق.
عنوان الكتاب مثير وملفت للانتباه ببساطة يقول الأستاذ: «أما العبيط فهو أنا وأما جنتى فهى أحلام نسجتها على مر الأعوام عريشة ظليلة تهب فيها النسائم عليلة بليلة فإذا ما خطوت عنها خطوة إلى يمين أو شمال أو أمام أو وراء ولفحتنى الشمس بوقدتها الكاوية عدت إلى جنتى أنعم فيها بعزلتى»... بالطبع أدعو المهتمين إلى اقتناء وقراءة هذا العمل الأدبى الرائع.
عودة إلى عنوان هذا المقال-أدب المقالة- وهو عنوان المقال الأول فى الكتاب والذى يتحدث فيه الأستاذ عن أسلوب كتابة المقالات فى مصر وفى الغرب حيث يشير إلى أسباب عزوف القارئ عن هذا النوع من الأعمال الأدبية مقارنة بالأصناف الأخرى وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإصدارة الأولى من هذا الكتاب كانت فى الأول من يناير من عام 1947 أى قبل 74 عامًا من اليوم.
يقارن أسلوب كتابة المقال فى مصر بما اتفق عليه النقاد من الأدباء الإنجليز من حيث إن المقال يصدر بالأساس عن قلق أو انفعال يحس به الأديب فيخرجه فى صورة أفكار ربما تحمل القليل من السخط أو السخرية أو الفكاهة أو جميعها معًا, كما يجب ألا تكون المقالة مكتوبة بأسلوب تعليمى فيشعر القارئ أنه أمام معلم يوبخه أو يتعالى عليه بل يجب أن يشعر القارئ أن الكاتب يقص عليه حكاية ويشاركه الفكرة ويصحبه معه للتجول فى جنباتها كأنما يستضيفه فى حديقته الغناء ليتجول معه بين أزهارها ورياحينها.
يقول أيضًا: إن المقالة لا يجب أن تحتوى على نقاط أو تبويب أو تنظيم وإلا تحولت إلى دراسة أدبية أو كتاب سيتم الامتحان فيه آخر العام أى أنها يجب أن تستمر كحديث أو سمر بأسلوب سلس متدفق يحمل فكاهة وعظة ومعلومة وقيمة, كما يرى أنها ربما تكون أكثر صعوبة فى الصياغة من إعداد دراسة أو تأليف كتاب نظرًا لأنها لا تتقيد بتلك القواعد, كما أنها يجب أن تتشمل على فكرة أو أفكار مصاغة فى كلمات قصيرة دالة بعيدًا عن الإطناب أو الاسترسال الأدبى الذى ربما يحتوى على العديد من الجمل الجوفاء الاستعراضية والقليل من الفائدة.
ربما يجرنا هذا الحديث للتعرض لأدب المنشورات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى وتلك قضية تحتاج إلى تفصيل.
