الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 45

لغة الجينات 45

«الثقة بالله» من أهم صفات أصحاب الجينات الأصلية.. فى الظاهر مترفعين عن كل شىء.. يواجهون المصاعب بالصبر والتوكل على الله.. وفى الباطن لديهم يقين كامل أن الفرج قادم لا محالة.. لا يتعلقون بما فى أيدى العباد، فالعباد لا يملكون لأنفسهم، ولا لغيرهم نفعًا أو ضرًا.



«أصحاب الجينات الأصلية» ثقتهم فى الله بلا حدود فى الظاهر يراهم أصحاب الجينات الخبيثة متواكلين لا يهتمون بشىء، مغانم الدنيا لا تغريهم، تصغر فى عيونهم كل المطامع والمناصب والمكاسب، وفى الباطن هم من ينيروا الطريق للناس.. يدفعوهم.. للعمل .. للإبداع .. للتفكير.. للتدبر.. يعلموهم أن ييأسوا مما فى أيدى البشر.

«أصحاب الجينات الأصلية» تقودهم المعرفة إلى الثقة، والثقة إلى الرضا، والرضا إلى  التوكل، والتوكل إلى طمأنينة القلب، وطمأنينة القلب إلى الاستغناء عما فى أيدى البشر .

«الثقة بالله» هى من أنقذت سيدنا إبراهيم عليه السلام وكانت أكبر مثال على التوكل على الله عندما ألقى به فى النار وعندما أتاه أمر الله بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام ولكن توكله على الله سبحانه وتعالى وثقته به نجته من النار كما فدى الله سيدنا إسماعيل بذبح عظيم .

الشيخ مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر ... واحد من أصحاب الجينات الأصلية.. وكانت ثقته فى الله  بلا حدود..  كان الشيخ يعتزُّ بكرامته ومنصبه ووطنه لأبعد الحدود، فعندما تم اختياره ليكون قاضى القضاة فى السودان... فى الظاهر وافق بشرط أن يصدر القرار بمرسوم من الخديو وليس بقرار من الإنجليز المحتلين للبلد .. وفى الباطن كان يريد إعلان استقلاله وأنه ليس لأحد سلطة عليه .. أن يختار بنفسه لائحة المحاكم الشرعيَّة، والقضاة، والآراء الفقهيَّة التى يحكمون بها ..  وبالفعل بعد خلاف مع الحاكم الإنجليزى للسودان استدعاه وقال له :إنه رئيسه وعليه إطاعة الأوامر  فقال له لست رئيسى .. قرار تعيينى مستقل وصادر بأمر خديو مصر .

وحينما أرادت بريطانيا تتويج ملكها جورج الخامس إمبراطورًا للهند، وسيمر من السودان صدرت الأوامر إلى الأعيان وكبار الموظفين أن يسافروا إلى ميناء سواكن لاستقبال باخرة الملك وهى فى طريقها إلى الهند، وكان البروتوكول يقضى بألا يصعد إلى الباخرة أحد غير الحاكم الإنجليزى، وأما من عداه فيمكثون بمحاذاة الباخرة ويكفى أن يشرفهم الملك بإطلالة عليهم، فغضب المراغى وأخبر الحاكم الإنجليزى بأنه لن يحضر لاستقبال الملك إلا إذا صعد مثله إلى الباخرة لملاقاته، فتحرج الإنجليز وكثفوا اتصالاتهم ومن ثم غيروا الترتيب.

فى الظاهر صعد الشيخ المراغى السفينة لملاقاة جورج الخامس وفى الباطن كان يريد أن يثبت استقلاله .. ينتصر لكرامته وعزة نفسه  .. وعندما قال  له بعض الإنجليز والمراسلين مستنكرين: «كان ينبغى أن تنحنى للملك كما ينحنى كل من يصافحه» رد عليهم قائلا: «ليس فى ديننا الركوع لغير الله».

  « الشيخ المراغى « رفض الاستمرار فى منصب قاضى  القضاة بعد منحه زيادة قدرها ستَّة جنيهات، على راتبه البالغ وقتها 14 جنيهًا، واحتجَّ على ذلك قائلاً: إنَّ القاضى الإنجليزى يتقاضى راتبًا قدره خمسون جنيهًا، وتستكثرون على القاضى المصرى عشرين جنيهًا، وعاد إلى مصر، وقدَّم استقالته. 

«الشيخ المراغى « فى الظاهر كان قاضيًا شرعيًا فى السودان وفى الباطن كان ثائرًا عظيمًا .. شارك فى ثورة 1919... قاد مظاهرة كبيرة، نددت بما يفعله الإنجليز،وأعلن عن اكتتاب عام لصالح ضحايا ومصابى ثورة 19 ولتخفيف المصائب التى أنزلها الإنجليز بالشعب المصرى وأخذ يجمع التوقيعات لتأييد زعامة سعد زغلول للأمة .. واستطاع  سرًا أن يجمع 6 آلاف جنيه تبرعات أرسلها للجمعيات الخيرية لتصرف منها على مصابى وضحايا ثورة 1919.

«الشيخ المراغى» رفض الاستمرار فى منصبه شيخًا للأزهر وقدم استقالته بسبب عجزه عن تحقيق مشروعه لإصلاح المؤسسة العريقة، وتجديد شبابها، بعدما رفض الملك فؤاد التوقيع على المشروع الذى قدمه لإصلاح الأزهر.

«الشيخ المراغى» حاول أصحاب الجينات الخبيثة الإساءة له بمزاعم حول رفضه إصدار فتوى للملك فاروق تمنع زواج الملكة فريدة بعد طلاقها .

فى الظاهر يتم ترديد الواقعة على أنها موقف عظيم من الشيخ المراغى .. وفى الباطن يريدون الإساءة له بأنه كان مقربًا من الملك ولدرجة أنه يطلب منه فتوى تخالف شرع الله،والخطير أن الكثيرين من مريدى الشيخ المراغى يرددون نفس الواقعة دون تفكير .. فكيف يطلب الملك فاروق فتوى من الشيخ المراغى بتحريم زواج فريدة بعد طلاقها والطلاق نفسه وقع فى العام 1948 والشيخ المراغى توفاه الله فى العام 1945 .

اعلم أن الثقة بالله ألا تسعى فى طمع، ولا تتكلم فى طمع، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شىء سواه.

اعلم أن الإنسان الواثق بالله تعالى ييأس مما فى يد البشر، يواجه المصاعب بالصبر والتوكل  والتسليم المطلق فى جميع شئونه إيمانًا منه أن الفرج قادم لا محالة.