فساد الرأى
يقولون: إن المُؤيد الدائم والمُعارض الدائم هما أصحاب الرأى الفاسد! تأملت هذه المقولة التى قادتنى إلى أن أراقب ما يدور حولى من مواقف انقسم فيها الناس بين مؤيد ومعارض، وكل منهما فى تشبثه برأيه يكاد ينفجر فى وجه أخيه من فرط تعصبه، كما لو كان مغمض العينين لا يرى سوى طريق واحد للسير فيه، فلا تستوقفه الطرق المتفرعة منه والمنحنيات والطرق المختصرة للوقت والجهد التى ستحقق الغرض نفسه، وهو الوصول إلى المقصد والمكان.
بطبيعة الحال بحسب المواقف ينبغى أن نتحلى بـالمرونة فى استيعاب الأمور؛ فهناك قضايا وملفات وطنية حساسة لا مجال فيها للمعارضة، بل هو ضرب من الرعونة والحمق إن حدث، فمن منا يستطيع أن ينفى أهمية الالتفاف والاتفاق حول ما يخص الأمن القومى المصرى وخطوطه الحمراء، وما أقدمت عليه مصر من تنمية ترسانة التسليح، وما خاضته وما زالت تخوضه القيادة السياسية ومؤسسات الدولة وقواتنا المسلحة والشرطة من حرب ضروس ضد الإرهاب والإرهابيين وأهل الشر، والوقوف فى وجه آفات مجتمعية تبتغى النيل من أمن وسلامة المواطن المصرى حين تعرضه للتنمر والازدراء، ومن منا يستطيع أن يقف حجر عثرة أمام مبادرة يطلقها الغيورون على مصلحة مصرنا المحروسة المنتمون إلى تيارات سياسية شتى، لكنهم حول حب مصر وإعلاء مصالحها مجتمعون، فنجدها تهدف إلى المحافظة على تاريخ مصر وجيشها العظيم من العابثين به، والمزورين لبطولات لا ينكرها إلا مغرض أو عميل أصابه من الجهل ما كف بصره وبصيرته فى آن معًا، فراح يطمس فى بطولات لا ينكرها إلا جاحد، وأبطال يفخر بهم التاريخ ويزهو، ليقلل من شأنهم ويشكك فى نزاهتهم وزعامتهم، ويزلزل قلوب من استمدوا من هؤلاء القوة والعزيمة وآمنوا بهم وبقدراتهم، واتخذوا منهم القدوة فى حب الوطن والدفاع عنه والتضحية بكل غالٍ ورخيص فى سبيل الحفاظ على ذرة من رمل ترابه المقدس، فالحفاظ على الهوية المصرية يتأتى بحماية تاريخها من التشويه المتعمد والتزييف.
وهناك أمور كثيرة لا تحتمل المعارضة أيضًا، وفى مقدمتها: ثقة الشعب فى قيادته السياسية الوطنية المخلصة ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لم يألُ جهدًا فى إعادة بناء مصر الحديثة وإصلاح سياستها الخارجية بعد أن تراجعت بسرعة البرق فى عام أسود استلبت حلكة سواده من صفحتها البيضاء الناصعة، فبدت أمام العالم ضعيفة مهلهلة على نحو مغاير لحقيقتها الشامخة التى نفض الرئيس السيسى عنها ما علق بها وأعاد إليها بريقها الغائب فلبست ثوب الفخار الذى يليق بها ورفع رأسها عاليًا ورفرف علمها فى أعالى السماء شموخًا وعزة، وكذلك نمنح الثقة كل الثقة فى قواتنا المسلحة وجنودنا البواسل صقور الأمة ونسورها، وأجهزة الشرطة ورجالاتهم الأشداء اليقظين، فهم بحق جديرون بأدائهم المتفانى الملموس بكل التأييد والثقة من مواطنى هذا البلد. لكن كل ما سردته لا يعنى مطلقًا المعارضة المطلقة أو التأييد المطلق لكل مناحى الحياة، فإن الموضوعية حينما تغيب تترك العقول تتخبط، فنفقد بوصلتنا فى التمييز بين الصالح والطالح من الأمور، فهناك معارضة مخلة بالمصلحة العليا للبلاد، وهناك تأييد مخل بالمصلحة العليا أيضًا.
إذن، لا بد من موازنة الأحكام عند التصدى لقضايا تمس نبض الشارع المصرى والمواطن البسيط بخاصة، وهنا نلفت النظر إلى أن المعارضة الصحية تفيد ولاتضر، لكونها تضفى مصداقية لما تنبه إليه من وجود خلل ما فى معالجة الدولة لملف جاء تداوله فى وقت غير مناسب، وطرح فى مسار يشكل عبئًا فجائيًا لا طاقة لنا به فى الوقت الراهن حتى لو كان الغرض طيبًا يظن واضعوه أنه يصب فى مصلحة المواطن، فكلنا يعرف ما أحدث ضجة مؤخرًا من ملفات أثارت حفيظة معظمنا، هنا نترجم ونعبر عن تقديرنا للرئيس والحكومة بموضوعيتنا، فلا نكون من أصحاب الرأى الفاسد، بل نؤيد ما يستحق منا كل التأييد، ونضع ثقتنا فيما يستحق منا كل الثقة، ونعارض ما ينبغى علينا معارضته تحقيقًا للشكل المثالى للمحبة الحقيقية المتزنة، التى يقول عنها المثل العبقرى المصرى: (يا بخت من بكانى وبكى عليا، ولا ضحكنى وضحك الناس على).
نحن لا ينقصنا شيئًا لدينا الحكومة الواعية ومجلس النواب المنتخب، والمحكمة الدستورية العليا، يستطيعون أن يقدحوا أذهانهم ليخرجوا علينا بحلول مقبولة وفى متناول الجميع تقضى على البلبلة المثارة حول أى من الموضوعات والملفات، ولا أريد أن أشير إلى أمر بعينه، فقد نالت من إحساس المواطنين بالأمان بعض الأمور تنضاف إلى ما يتحملونه فى صبر وأناة، وكلى ثقة أن هناك حلاً لكل مشكلة مع عقول تمتلك القدرة على الإتيان به، وكفى بالمواطنين شر القتال والانقسام بين مؤيد ومعارض، لا نريد تبرير الخطأ ظنًا منا أن فى تخطئته إغضابًا للرئيس وأعوانه أو أن نوصم بمعاداة الدولة على غير ما نضمر، بل ظنى أنه يحتاج أن يحاط علمًا بالرأى السليم ليطمئن قلبه أنه فى أيد شعب أمين عليه لا ينافق ولا يهذى ولا يعرف لفساد الرأى والنفاق مع نفسه ورئيسه الذى يحمل له فى قلبه كل المحبة والتقدير.. سبيلا! وهو منصت جيد يلبى نداء شعبه ويحرص على تخفيف أعباء الحياة وإزاحتها عن كاهله قدر المستطاع!
فلنترك فساد الرأى جانبًا فهو حكر على أعداء الوطن.. تبًا لهم!