الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لماذا  يصدق الأذكياء أمورًا غبية؟

لماذا  يصدق الأذكياء أمورًا غبية؟

لعالم  النفس الأمريكى الشهير دانيال تى ويلينجهام كتاب مهم بعنوان «متى يمكن الوثوق فى الخبراء؟ When Can You Trust the Experts?» صدرت طبعته الأولى عام 2012 حيث يتعرض للفرق بين العلم والاعتقاد وبين الحقيقة والانطباع حيث يشير إلى وجود نمطين من التفكير الاجتماعى يطلق على الأول النمط الواعى وعلى الثانى النمط غير الواعى... أحد الأمثلة لتوضيح الفرق على سبيل المثال إعلان تليفزيونى عن إحدى السيارات حيث يكون النمط الواعى منصبًا على قيام شخص متخصص بعرض مميزات تلك السيارة من حيث المتانة والسرعة وقوة الموتور واستهلاك الوقود والشكل الخارجى... إلخ. أما النمط غير الواعى فربما يكون أثناء مشاهدة فيلم سينمائى لبطلك المفضل حيث يقود تلك السيارة فى إحدى المشاهد.



الغريب أن النمط غير الواعى أحيانا ما يكون أكثر تأثيرًا من النمط الواعى المنطقى بصورة سحرية يتعجب منها الشخص ذاته فيجد نفسه يميل إلى هذا المنتج أو ذاك بدون أن يعرض عليه أى سبب منطقى لذلك.

من النقاط الخطيرة ما يسميه الكاتب بأن الأفكار المألوفة أكثر قابلية للتصديق والمقصود بالأفكار المألوفة أى الأفكار الأكثر تداولًا بالرغم من أن الكثير منها قد لا يكون حقيقيًا أو منطقيًا... أى أن تكرار نشر وتداول تلك الأفكار يجعلها قابلة للتصديق خاصة إذا أتت من مصادر متعددة.

مبدأ القطيع ناجح أيضا حيث إننا عادة ما نصدق الأمور التى يصدقها الآخرون ربما بدون تمريرها على العقل والمنطق بالقدر الكافى للتحليل والتمحيص والفرز كما أننا نصدق أيضًا الأشخاص الجذابين والمقصود بالجاذبية هنا جاذبية الشكل والملبس والإكسسوارات وطريقة الحديث ولغته أيضًا... مثال لذلك ما قامت به إحدى شركات صناعة السيارات اليابانية الشهيرة عندما وجدت أن إحدى سياراتها  لا يوجد الإقبال المتوقع على بيعها وذلك فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى فتفتق ذهن القائمون على الأمر وتم عمل إعلان تليفزيونى راقص يظهر ثمانية من الفتيات الحسناوات يتراقصن ويتمايلن حول السيارة وهو ما أعطى إيحاءً غير حقيقى لقطاع كبير من المشاهدين أن امتلاك تلك السيارة ربما يسهل الوصول إلى مواعدة فتيات صارخات الجمال مثل تلك الفتيات.... لا تستخف بهذا الأسلوب عزيزى القارئ فإن كنت تعتبر أن هذا أسلوب ساذج فإن المجتمع يعج بأناس أكثر سذاجة وأكثر تركًا للعقل الباطن ليتحكم النمط غير الواعى فى الكثير من أفعالهم وقرارات الشراء الخاصة بهم.

يشير الكاتب أيضًا إلى أننا عادة ما نميل إلى أن نصدق أناسًا يشبهوننا فى الشكل والعرق والمستوى الاجتماعى وهو ما تعرفه وكالات الإعلان جيدا فلا تقوم بالاستعانة بنجمة عالمية من أجل عمل إعلان عن مسحوق الغسيل الخاص بالغسالات اليدوية كما لا تقوم بالاستعانة بمطربة شعبية للإعلان عن نوع جديد أو تشكيلة جديدة من المشغولات الذهبية والماس.

أما عن أسلوب التفكير المنطقى فى أى زعم يعرض علينا فيكون بتجريد هذا الزعم وقلبه أى السؤال العكسى عن ماذا لوكان الزعم غير حقيقى ثم يتم تتبع هذا الزعم وتحليله واستعراض تبعاته ثم السؤال بصدق عن هل يجب على أن أتبعه أم لا؟.