المقعر والأجوف 2-2
الحديث عن المقعر والأجوف من الأشخاص والتعبيرات يتحول إلى مأساة عندما يكون هذا هو الأسلوب المعتمد والمتداول فى قاعات الدرس أو دور العبادة فبالإضافة إلى ضياع الوقت فربما يؤدى ذلك إلى غياب الفكرة الرئيسية أو وصلوها بصورة مشوشة إلى المتلقى الذى ربما يعتقد أن هذا هو الأسلوب الأنسب للحديث والإلقاء والكتابة فيخرج لنا جيل جديد من المقعر والأجوف ولا تتوقف السلسلة فهم معذورون لم يعرفوا كيف تكون البلاغة والاقتصاد.
القدرة على الاختصار غير المخل وإيصال الفكرة بأقل عدد من الكلمات يتجلى فى معجزة البلاغة العربية «القرآن الكريم» فنادرا ما تجد قارئا أو حافظا لأجزاء من كتاب الله يستسيغ أو يقدر على المقعر والأجوف من القول وهو أمر تحسه عند سماع الآيات تتلى فى أى مكان فأى لفظ إضافى أو لفظ ناقص نتيجة سهو من القارئ ستشعر به على الفور. القدرة على اختصار المطبوعات الكبيرة الحجم فى أقل عدد ممكن من الكلمات بدون أن يختل المعنى أو يضيع تتجلى بشدة فى تجربة الكاتب الساخر الراحل أحمد رجب فى «نص كلمة» والتى بدأت من خلال جريدة أخبار اليوم مع الأستاذ على أمين الذى أعطاه كتابا كبيرا طالبا منه أن يقوم بتلخيصه قدر الإمكان فما كان من الأستاذ أحمد إلا أنه قد قضى ليلته كلها فى الاختصار ثم عاد فى اليوم التالى مختزلا الكتاب الكبير فى بضع عشرات من الصفحات وهو ما لم يرق للأستاذ على أمين الذى طالبه بالمزيد من الاختصار واستمرت المحاولات حتى وصل إلى «نص كلمة» فى شكلها النهائي.. القدرة على تلخيص كتاب مكون من 500 صفحة واختصاره وصولا إلى خمسة أسطر بدون أى إخلال فى المعنى أو الحكمة أو الفكرة الأساسية.
القدرة على الاختصار والإيجاز تحتاج إلى تدريب مستمر.. أذكر أحد الأساتذة يحدثنا عن هذا الأسلوب خاصة فى الاجتماعات المطولة مفتوحة النهاية بلا جدول أعمال واضح أو محدد المدة قائلا « إن لم تستطع إيصال فكرتك فى دقيقة واحدة فعليك أن تؤلف كتابا عنها» والمعنى أن الفكرة.. أى فكرة يمكن اختصارها بالفعل بدون الانجراف إلى مزالق التفاصيل والمقعر أو الأجوف من الألفاظ.
أمر جدير بالانتباه والتدريب على التخلص منه فالوقت ثمين ولا يتسع لمثل تلك الأساليب.
