الثلاثاء 23 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أمسك.. واقترب

أمسك.. واقترب

كنا أطفالًا صغارًا تملؤنا بهجة الدنيا.. نضحك ونجرى وننطلق.. لم يشغلنا هم ولم يثنينا غم.. ولكن كانت تصيبنا لحظات قاسية تشعرنا بالوحدة والوحشة واليأس فننهمر فى البكاء وكأننا مذنبون لأن الله خلقنا بنات.. تلك اللحظات التى كان يقترب منا شخص غريب ليلامس فى سرعة جنونية رهيبة لم تستغرق جزءًا من الثانية الواحدة أجزاءً من أجسادنا الضعيفة النحيلة الخالية من أى إغراء أو مواطن جمال .. لندخل فى دوامة لا تنتهى من الخوف والشعور بالذنب وعدم الثقة ونتمنى بأن نغير جنسنا قائلين لأنفسنا: يا ريتنى كنت ولد!!



التحرش اللفظى والجنسى ليس ظاهرة جديدة على مجتمعنا لكنه موجود من زمن بعيد ولكن الجديد هو طريقة التعامل معه، فقديمًا كان يتم دفن رءوسنا فى الرمال كالنعام وكانت الواقعة تتم فى سرية دون أن يعلم أحد عنها شيئًا، وكانت تتبدل الأدوار فالجانى يتحول لضحية والضحية تصبح بقدرة قادر هى الجانى والمسئول والمذنب فى نظر نفسه أولًا، لا يمكنه الإفصاح أو التعبير عما حدث له خشية التعرض للوم والتوبيخ وربما أفعال أشد عنفًا وقسوة، وفى عصر التكنولوجيا فائقة السرعة والتى ليست كلها مساوئ كما يدعى البعض، ساعدت كاميرات المراقبة فى تسجيل الواقعة وساهمت شبكات التواصل الاجتماعى فى فضح مثل هذه الوقائع الموجعة لينتفض المجتمع من مكانه معلنًا الحرب، بكل ما أوتى من قوة وبكامل ضميره الإنساني، على تلك الظاهرة التى توقع فى نفس الطفل مزيجًا قاسيًا من الألم النفسى والحسرة ورغم أن تسجيل حالات التحرش بالأطفال ارتفع مؤخرًا، لكن هناك الكثير من الحالات المسكوت عنها والتى لا يتم التبليغ بحدوثها. التحرش بالأطفال يزداد بشكل كبير فى المناطق الفقيرة والتى تشهد تسرب الطلاب من المدارس، أو عمالة الأطفال من أجل الحصول على لقمة العيش، مما يجعلهم معرضين أكثر للمتحرشين، ولكن إجراءات النيابة الحاسمة ورد الفعل الشعبى العنيف ضد المتحرش، سيشجعان مزيدًا من الضحايا على التقدم والشكوى، وكشف ما يحصل معهم، لكن المشكلة أن الكثير من العائلات قد لا تمتلك الأدوات لمعرفة أن طفلهم تعرض للتحرش، والتى من أهمها  المعرفة غير المعتادة بالمواضيع الجنسية، أو البدء فى كتمان الأسرار أو لجوئه إلى الصمت بشكل غير معتاد، كما أن الطفل قد يظهر عدم الرغبة فى البقاء بمفرده مع أشخاص معينين، أو الخوف من الابتعاد عن والديه أو من يثق بهم، وقد يظهر الطفل «سلوكًا تراجعيًا» يتمثل فى العودة للتبول اللا إرادى أو العودة لمص الإبهام أو التبول الليلي، ويظهر الطفل المعتدى عليه أحيانًا شكلًا أكبر من الطاعة، أو شكلًا أكبر من التمرد، كما يقضى وقتًا أكبر بمفرده، وتظهر عليه محاولات تجنب خلع الملابس لتغييرها أو الاستحمام.

وهناك علامات «عاطفية» مثل الإفراط فى تناول الطعام، أو تغير فى المزاج الشخصى أو ازدياد فى العدوانية، وانخفاض فى الثقة فى النفس، والقلق والخوف المفرط، وظهور أعراض جسدية غير مفهومة مثل الصداع وآلام المعدة، وانخفاض الاهتمام بالأصدقاء والمدرسة، والكوابيس الليلية وسلوكيات إيذاء النفس، لذا يجب على الأسر أن تتابع السلوكيات الجديدة للطفل ومحاولة معرفة سببها.

الشخص الذى يتحرش بالأطفال يعانى اضطرابا يطلق عليه اسم «بيدوفيليا»، وهو نوع من الاضطرابات الجنسية، والشخص المصاب بهذا الاضطراب تكون لديه رغبة وميول لممارسة العلاقة الجنسية مع الأطفال، حيث يجد متعته فيها، وعادة هذا الاضطراب يُصاب به المرضى فى سن 12 أو 14 عامًا، وغالبًا ما يكون المتحرش قد تعرض إلى تحرش أو اغتصاب فى طفولته، فيكرر ما حدث له فى الصغر انتقامًا من المجتمع، لذا حان الوقت أن نمسك المشكلة بأيدينا فإن تمسك متحرشًا ليس حلًا كافيًا أو جذريًا وإنما يكمن فى أن نقترب أكثر من أبنائنا ونمنحهم جزءًا من أوقاتنا ونحتويهم ونغرقهم بالحب ونشعرهم بالأمان النفسى والعاطفى ونستمع لهم ونشجعهم على التعبير عن مشاعرهم ليحكوا لنا كل ما يتعرضون له فى يومهم، وإذا ما تعرضوا لمثل هذه الواقعة المؤسفة فى يوم ما نسرع فى علاجهم ومحو آثارها النفسية من أعماقهم حتى لا نقدم للمجتمع مرضى نفسيين يمارسون اضطراباتهم فى أطفالنا وفلذات أكبادنا.. امسك متحرشًا واقترب من طفلك.