الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«بافيزى».. رائد الأدب الإيطالى

«بافيزى».. رائد الأدب الإيطالى

«بافيزي».. هذه الصفحة الناصعة فى تاريخ الأدب الأوربى تصدر الطبعة الخامسة والسبعين لعمله العظيم حوارات مع ليوكو عن دار نشر ليبرو موسيا بعد أن ترجمت للعربية منذ فتره وجيزة. وتعتبر حوارات مع ليوكو إشكاليه فى حد ذاتها بحيث يصعب تصنيفها على أنها تتبع جنسا أدبيا واحدا فهى تجمع فى باطنها الشعر والرواية والحدوتة والأسطورة.. لعلها تشكل جنسا أدبيا مستقلا بذاته نستطيع أن نطلق عليه (الملحمة الجديدة) فهى فى طرحها الأسطورى تقترب أكثر لإعادة انتاج الملحمة ربما بشكل جديد وحداثى يتماشى مع التجديد الذى كان يحدث على يده بين الأدب الإيطالى بجذوره الرومانية وبين آخر جديد و تحديدا فى الأدب الأمريكى.



تعتبر سيرة حياة بافيزى من أهم المعطيات التى يتم على أساسها تحليل سيرته الأدبية فبسبب يتمه المبكر الذى عاشه مرتين بشكلين مختلفين حيث رحل والده حينما كان عمر بافيزى 6 سنوات فقط وبعده بأقل من عام عاش يتما جديدا حيث انفصلت عنه والدته والتى لم تعد لتلقاه بشكل مستمر إلى فى لقاءات نادرة وهكذا عاش بافيزى يتما مبكرا أثر فيه بشكل خدم شاعريته فأرهف حسه وشحذ مخيلته.

تعتبر الفترة التى عاشها بافيزى فى تورينو فى المرحلة الثانوية هى الفترة التى شكلت شخصيته فيما بعد وجعلت منه الرجلل الذى نعرفه وكان لذلك مؤثرات عده أهمها أنه تعرف أثناء دراسته فى ليسيه تورينو على شخصية ثقافيه وأدبيه عظيمه هو المعلم والمفكر اوجوستو مونتى الذى اتخذ منه أبا روحيا ومعلما وأخذ يعرض عليه ما يكتبه من قصائد كانت كلها مرحلة تجريب شعرية وكان مونتى يقوم بتوجيهه وهو الذى لفت نظره أن دراسته للأدب الأمريكى سوف تثرى تجربته الأدبية بشكل مختف فلم يكن الأدب الأمريكى معروفا بشكل واسع للقارئ الإيطالى لأن المشروعات السياسية بما فيهم المشروع الفاشى ساهم بحجب هذه النوعية الطليعية من الأدب وهكذا كان مونتى هو المعلم والناصح لبافيزى بل وشكل فكره السياسى أيضا بشكل فعال حيث ورث منه كرهه الشديد للفاشية وهذا الكره الذى حرك باقى مشواره الأدبى بحثا عن مضامين للحرية فى كتاباته.

بعد أن أتم بافيزى دراسته الثانوية فى ليسية تورينو إلتحق بجامعة تورينو لدراسة الأدب الإنجليزى والأمريكى ومن هنا أنطلق لعوالم جديدة بين أعمدة الأدب الأمريكى ووجد نفسه يعبر لجوانب خفيه لم يجدها فى الأدب الأوربى لكنه بالرغم من ذلك ظلت جذوره أوربية بحته بل وإيطالية رومانية  أصيلة وهذا ما يفسر لنا عمله العظيم - حوارات مع ليوكو - المغرق فى صلب الأدب الرومانى.

تخرج بافيزى فى جامعة تورينو بعد أن حصل على درجه جامعيه فى شعر والت وايتمان عام 1930 وبدأ يمارس عمله الأدبى فكتب قصصا قصيره وقصائد ونشطت حركة الترجمة فقام بترجمة العديد من الأعمال الأدبية الأمريكية وفى هذه الفترة أيضا أصبح ناشطا سياسيا فى جماعة ضد الحكم الفاشى وأثناء حضوره تلك الاجتماعات السرية تعرف بتينا بيتساردو التى سوف تكون أيضا علامة فارقة فى فلسفة المرأة لديه، واشتعلت قصة الحب بينهم تحوطها ميولهم السياسية لكن بافيزى لم يكن يتخيل أن البوليس السياسى لموسولينى يتابع تحركاته بل ويراقب مراسلاته حتى وقع فى يديهم خطابا يعبر فيه عن حنقه وكرهه للفاشة وموسولينى نفسه وقامت السلطات بالقبض علية وتمت أدانته بتهمة أهانة الفاشية وموسولينى وقضى بافيزى فى السجن ثلاثة أعوام لم يتوقف فيها بافيزى عن نشاطه الأدبى بل انه أنجز فيها أهم أعمال قام بترجمتها من الأدب الأمريكى فخرج من سجنه أكثر قوه من ذى قبل لكنه تلقى صدمه قويه حينما علم أن تينا بيتساردو لم تكن فى انتظاره بل أكملت حياتها وتزوجت وخرجت تماما عن مداراته مما سوف يؤثر على صورة المرأة لديه فيما بعد فنجده يدون فى يومياته التى نشرت بعد رحيله

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بدأ بافيزى فى تكثف نشاطه فقدم العديد من الأعمال كان من بينهم الأرض والموت وحوارات مع ليوكو الذى أستلهم فيه الشاعر الرومانى الكبير أوفيديوس ناسو والذى كتب تلك العمل الجامع للأساطير الإغريقية والرومانية والشهير بميتامورفيسوس أو التحولات والمعروف اصطلاحا بمسخ الكائنات، ومنذ ظهرت ترجمة أروثميس لديوان عمل مضمنى لبافيزى وهو يوصف بالكاتب ذو النزعة الأسطورية وهذا وصل إلى ذروته فى حوارات مع ليوكو حيث يحاول بافيزى أن يناقش أمورا فلسفية مثل الموت والحب والمصير والروح من خلال طرحا فلسفيا يدور بين شخصيات الأساطير الشهيرة.

وفى عام 1949 ربطت بافيزى علاقة بالممثلة الأمريكية الناشئة كونستانسى دولينج أستمرت لمدة عام لكن كونستانسى التى كانت تبحث عن الشهره والمجد هجرت بافيزى فدخل فى مرحله من اليأس والحزن أدت فى النهاية إلى أن ينتحر بافيزى بجرعة كبيره من الدواء المنوم ويتم العثور عليه ميتا فى غرفته بالفندق الذى كان يسكن فيه فى 27 أغسطس عام 1950 وأسدل الستار على أديب خلده تاريخ الأدب الأوربى على أنه الأديب ذو النزعة الأسطورية ورائد الرمزية الجديدة فى الأدب الإيطالى.