حقيقى ولا افتراضى

إذا كان عيد الأم العام الفائت جاء وسط ظروف استثنائية على جميع المستويات والأصعدة، بسبب جائحة كورونا، لكن فى الوقت نفسه كان هناك شعاع من النور وبصيص من الأمل، وهو اجتماع الأسرة معاً فى حظر طوعى، فعلى الرغم من الخوف من مرض لا نعرف ملامحه ولا معالمه، لكن كان هناك تجمع للأبناء والأحفاد حول الأم يقبلون يدها وجبينها، معبرين عن الشكر والامتنان، ومستبشرين بضحكاتها التى تساوى الدنيا وما فيها، ويتباركون بدعواتها التى ستصل حتما للسماء.

 إلا أن عيد ست الحبايب هذا العام لم يختلف كثيراً، إذ نستقبله مع استمرار الجائحة، التى بالطبع حصدت أرواح الكثير من أمهاتنا وأمهات أصدقائنا وأحبابنا .. نستقبله وسط أجواء مليئة بالفقد ولوعة الفراق ومرارة الحزن ووحشة البعد .. نستقبله ليمثل للبعض يومأ بلا طعم  أو لون أو نكهة تميزه، وإذا كان كثيرون ينتظر هذا اليوم للاحتفال بأمه الحبيبة تعويضاً عن تقصيره معها بقية أيام العام، فوجب الاحتفال على أرض الواقع، وجهاً لوجه، بعيداً عن المواقع والمنصات الافتراضية، فالاحتفال الحقيقى أن تعبر لها عن حبك وتقديرك وهى أمامك تتلمس وجهها البشوش الذى يزيده تجاعيد الزمن والخبرة والخوف على الأبناء جمالاً وجاذبية، وأن تتحسس حضنها الحنون الذى يغنيك ويحميك عن كل ملذات ومشاغل الدنيا، وليس مجرد مشاركة الهدايا والتهانى والتبريكات وصور الأحضان والقبلات على وسائل التواصل الاجتماعى، مراعاة لشعور من فقد أمه فى ظل الفيروس اللعين أو دون ذلك.

عيد الأم أو يوم الأم هو احتفال ظهر حديثاً فى مطلع القرن العشرين، يحتفل به العديد من دول العالم تكريماً وتقديراً للأمومة وللأمهات وأدوارهن العظيمة فى المجتمع، وقد بزغت فكرة الاحتفال برغبة من المفكرين الغربيين والأوروبيين بعد أن وجدوا أن كثيرًا من الأبناء فى مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم ولا يقدمون الرعاية الكاملة والمثلى لهن، ففكروا فى تخصيص يوم فى العام لتذكير الأبناء بأمهاتهم، وفيما بعد اتسعت دائرة المحتفلين به حتى صار يحتفل به فى العديد من الأيام وفى شتى المدن فى العالم وفى الأغلب يحتفل به فى شهر مارس أو أبريل أو مايو.

ويختلف تاريخ عيد الأم من دولة لأخرى، ففى العالم العربى يكون اليوم الأول من فصل الربيع أى يوم 21 مارس، أما فى النرويج فيحتفل به فى 2 فبراير؛ فى الأرجنتين فهو يوم 3 أكتوبر، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم 1 مايو، وفى الولايات المتحدة يكون الاحتفال فى الأحد الثانى من شهر مايو من كل عام، وفى إندونيسيا يحتفلون به فى يوم 22 ديسمبر. تحية إعزاز وتقدير، لأمى ولكل أم، أعطت بلا مقابل، وأحبت من القلب، وضحت برضا، وتعبت وسهرت من أجل راحتنا .. مليون تحية للأم التى جعلتنا نرى النور، والتى حملتنا فى أحشائها تسعة أشهر وأرضعتنا وقامت بتربيتنا حتى جعلتنا نصل إلى أعلى المستويات علمياً واجتماعياً .. مليون تحية للأم التى لا يمكن أن نجازيها مهما فعلنا ولا يمكن أن نحتفل بها فى يوم واحد فى السنة ولكن هذا اليوم هو احتفال رمزى لكون أيامنا يجب أن نجعلها خدمة واحتفالًا بأمهاتنا .. شكراً بحجم الكون يا أمى.