السبت 1 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 48

لغة الجينات 48

فيه فرق بين التضحية والعطاء.. التضحية سذاجة... والعطاء حكمة.. العطاء صفة من صفات أصحاب الجينات الأصلية.. فى الظاهر ترجمة فعلية للحب، سواء كان هذا العطاء ماديًا أو معنويًا، وممكن تفضل سنين طويلة تعطى بلا مقابل مثل الأم.. لاتنتظر جنى مازرعته ولا تريد جزاء ولا شكورا.. وفى الباطن هو أمر القلب وراحة الضمير فكل ماأعطيته ادخرته لنفسك.. ومن أجل نفسك.. أعطيت حياتك به قيمة وأهمية.



«التضحية» غباء خاصة إذا كانت من أجل من لا يستحق.. فى الظاهر مشاعر راقية عظيمة ينتفع بها أشخاص آخرون... وفى الباطن عدم شعور بالمسئولية.. هوس من نوع خاص يمتاز به أصحاب الجينات الخبيثة فهم مستعدون للتضحية بأى شىء حتى وإن كانت سمعتهم من أجل مكاسب مادية أو معنوية.

«أصحاب الجينات الخبيثة» فى الظاهر يرفعون شعار التضحية دائما سواء بالوقت أو الجهد أو المال.. وفى الباطن، يريدون الوصول أسرع... الصعود على الأكتاف.. يمتلكون طرقا رخيصة للوصول.. يوهمون بتضحياتهم من نسجوا شبكاهم حوله كالعنكبوت للمزيد من المزايا والعطايا... يخدرونه مؤقتا حتى ينالوا مايريدون.

«أصحاب الجينات الأصلية» يدمنون العطاء ويحذرون من التضحية.. يعطون بلا مقابل فى العطاء... لكن يعرفون جيدا أن التضحية ومعرفة من أمامك أنك مضمون ومتاح دائما بيعلم سرقة حقك... أن التضحية بكل حاجة أدت أصحاب الجينات الخبيثة فرصة لنهبك ولظُلمك واستنزافك.

الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل واحدة ممن امتلكن جينات أصلية ،ووهبت حياتها كلها للعطاء.. فى الظاهر أميرة مترفة تعيش حياة القصور والحفلات.. ساهمت الصحافة بعد ثورة يوليو 1952 فى تشويهها ضمن خطة ممنهجة لتشويه كل ماله علاقة بالملكية والأسرة العلوية.. وفى الباطن امتلكت قلبا نابضا بحب هذا البلد وذكاء حادا وقدرة عظيمة على العطاء و تدعيم وإنشاء العمل الخيرى فى مجال التعليم والثقافة.

«الجينات الأصلية للأميرة فاطمة» دفعتها للمساهمة فى إنشاء الجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن) بعدما كاد مشروع الجامعة يتوقف، فعندما علمت بأن مشروع الجامعة يعانى من أزمة مالية كبيرة تهدده بالتوقف، تبرعت بـ6 أفدنة من أراضيها لتقام عليها الجامعة، وأوقفت 661 فدانا من أجود أراضيها فى محافظة الدقهلية من ضمن 3357 فدانا كانت تخصصها للبر والإحسان، وجعلت للجامعة من صافى ريع تلك الأرض نحو 40% كل عام.

«الأميرة فاطمة» فى الظاهر كانت تستطيع أن تتوقف بعد هذه التبرعات.. فقد أعطت الكثير.. لكن فى الباطن كانت قد خططت لإقامة الجامعة مهما كلفها هذا الأمر، وبالفعل أعلنت أنها ستتحمل تكاليف بناء الجامعة من نفقاتها الخاصة؛ وعرضت مجوهراتها للبيع، وعندما لم تنجح محاولة بيعها فى مصر تم عرضها للبيع خارج البلاد وتم بيعها بحوالى 70 ألف جنيه.

«الأميرة فاطمة» لم يكن لها الفضل فقط فى بناء جامعة القاهرة ، فقد امتد عملها الخيرى لإقامة مقر المتحف الزراعى فى القاهرة والذى يقع على مساحة 30 فدانا ويعد أول متحف زراعى فى العالم كان فى الأساس هو القصر الذى تعيش فيه فاطمة ثم تبرعت به للجامعة والذى أنشئ عليه بعد ذلك المتحف الزراعى.

«عطاء الأميرة فاطمة «تجاوز حدود مصر؛ فقد وهبت ثروتها البالغة مليونى ليرة ذهبية إلى جامعة إستانبول لتؤكد أن للمرأة القدرة على أن تكون المنقذ لعقل الأمة ووعيها، وأنها تستطيع أن تقوم بما يقوم به أولو العزم من الرجال.

اسم الأميرة فاطمة ظل حاضرًا حتى بعد 98 عامًا على وفاتها، وتحديدًا فى المؤتمر الوطنى للشباب عام 2018، حينما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى التحية والتقدير لروح الأميرة التى قدمت الكثير من أجل بناء الجامعة المصرية الأولى، وآمنت أن التعليم هو الطريق الوحيد لنهضة هذه الأمة.

«الأميرة فاطمة» ظلت تعطى حتى آخر يوم فى حياتها ،فقد أوقفت حوالى 100 فدان من أجل تقديم منح دراسية لتعليم ضباط الحربية والبحرية أو تلامذة المدارس الحاصلين على الشهادات النهائية، كما تكفلت بعدد من الأطفال اليتامى وأمنت لهم الكسوة والمأكل والتعليم.

وقبيل وفاتها تنازلت الأميرة عما تبقى من أملاكها لتكون بذلك منطقة الدقى... لكن وللأسف رغم كل ماقدمته الأميرة فاطمة فإن ضريح هذه الشخصية العظيمة فى السيدة زينب ، يعانى من إهمال شديد.

اعلم أنك إذا أردت أن تضحى، فضحى من أجل نفسك لا من أجل الآخرين.. ولاتثق بأحد يضحى بنفسه من أجل الآخرين، لأنه ممكن يضحى بك فى يوم من الأيام.