
محمود عبد الكريم
الخونة لا مكان لهم
ضحكت ملء فمى عندما سمعت تعليقا لأحد الخونة الهاربين فى الخارج وهو يقول نحن الفارون بديننا وكأنهم أصحاب دين مضهد فى أرض وثنية، والمثير أنه أردف نحن غاليين جدا، نحن شرف لأى بلد يستضيفنا، لقد انقلبت الأمور فى الحياة إلى عكسها تماما حتى تصور الخونة أنهم أبطال يضحون بحياتهم من أجل وطن هم أنفسهم باعوه بثمن بخس
لا شيء فى الحياة أسوأ من الخيانة وأخطرها وأقذرها على الإطلاق خيانة الوطن وللخيانة رائحة عفنة، سواء كانت خيانة بين الأصدقاء أو خيانة الأوطان. فالخيانة هى الفعل القبيح الذى يأتى من مأمن فتكون الطعنة قاتلة. والخائن يوصف بصفات سيئة كثيرة، فهو جبان وكاذب وجشع وانتهازي. والخائن متقلّب فى آرائه وأنانيته. فهو ليس وفياً لصديق أو حبيب أو زوج أو وطن. يرتحل مع المواسم مجرداً من أى شرف.
ولعل أقرب نموذج للخيانة أولئك الذين لجأوا لدول ترفع راية العداء أو على أقل تقدير الخلاف السياسى وبعد أن بدأت الإشارات تأتى من الدول التى لجأوا لها بقرب حل نقاط الخلاف حتى أصبحوا كالفئران المذعورة، وأصبحوا محاصرين بين فكرة الخيانة والضياع فلا وطنهم سيستقبلهم ولا هم كسبوا احترام من شجعهم على الخيانة، وفى التاريخ نماذج كثيرة وحقيرة للخيانة كانت نهايتها مأساوية أو مخزية على أقل تقدير.
ومن خان مرة سيخون مرات، تلك هى سيكولوجية الخائن. تتنازعه، دوماً، الرغبات الهشة ليبيع الثمين مقابل الرخيص. لذا كان الخائن موضع تحقير من قِبل كل من تأنف أنفسهم هذا الفعل حتى لو ساندهم بفعل خيانته. تماماً مثلما حدث مع نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسى 1769-1821م الذى خاض معارك عديدة إلى أن استعصت عليه النمسا وخرج منها بهزيمة فادحة فى معركة آسبرن التى خاضتها جيوشه ضد الجيوش النمساوية، وذلك بسبب وعورة المنافذ الجبلية، فبّدل الإمبراطور من خططه القتالية إلى خطط استخبارية، وأمر جنوده بالبحث عن جاسوس يساعدهم على اقتحام المنطقة. وبعد أن طال البحث واشتدت مرارة الهزيمة هيأ لهم القدر خائنًا بامتياز وهو رجل نمساوى يشتغل بالتهريب، ويعرف الحلقة الأضعف فى الحدود النمساوية، فدل الجيوش الفرنسية إلى الطريق المثالى لاقتحام المنطقة التى لم تكن محصنة إلا بجيش من كبار السن ينقصه العتاد والعدة لأنهم يرابطون فى منطقة قل من يستطيع الوصول إليها. كانت هذه الخيانة والمعلومات الذهبية مقابل حفنة من المال. وعندما تم النصر لنابليون، بفضل هذه المعلومة القيمة، أراد ذلك الدليل مصافحة الإمبراطور نابليون بونابرت لكنه رفض مصافحته وألقى إليه صرة من المال وقال قولته المشهورة :
«يد الإمبراطور لا تصافح الخونة»!
وإزاء استغراب جنوده من تصرفه قال لهم: « الخائن لوطنه كالسارق مال والده ليطعم به اللصوص، فوالده لن يسامحه واللصوص لن تشكره».