السبت 1 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 50

لغة الجينات 50

صدق حلمك.. «العزيمة والإصرار» من أهم صفات أصحاب الجينات الأصلية.. فى الظاهر هى الأساس فى زيادة فرص نجاح الفرد، فى شىء معين .. وفى الباطن هى الدافع  اللى بتخليك متحمس دائما لمواصلة السعى وراء الهدف الذى تريد تحقيقه حتى لو وقف العالم كله ضدك.



«أصحاب الجينات الخبيثة» يجيدون المماطلة والتسويف، وتأجيل  المهام المطلوب فعلها على الفور، فى الظاهر يتذرعون بالظروف ومعوقات واهية وضعيفة ضعف شخصيتهم نفسها.. وفى الباطن هم لا يملكون من أمرهم شيئا.. قطع شطرنج يحركها آخرون خلف ستار حديدى لا يظهرون.

المهندس العبقرى الدكتور الغزالى كسيبة واحد من أصحاب الجينات الأصلية الذين عانوا على مدار سنوات طويلة من «أصحاب الجينات الخبيثة» الذين أجلوا ظهور حلمه «متحف الحضارة» 4 عقود كاملة.. فى الظاهر تذرعوا بالظروف وماطلوا ومارسوا التسويف وقدموا حججًا واهية.. وفى الباطن لم يعرف أحد أبدا لماذا فعلوا ذلك.

بالتأكيد استمتعنا كلنا بنقل المومياوات الملكية الذهبية إلى متحف الحضارة.. وبالتأكيد معظمنا لا يعرف من هو المهندس العبقرى الدكتور «الغزالى كسيبة» الذى حلم وصدق حلمه وسعى خلفه  40سنة كاملة حتى حققه ووقف ليرى مشروعه يتشكل من لحم ودم  وتبث فيه الروح ..ويبهر العالم كله.

«الدكتور كسيبة» فى الظاهر.. يمارس عبقريته فى التصميمات، يقدم حلولا معمارية مبهرة .. صمم متحفًا فى ضواحى باريس خلال عمله لمدة 6 سنوات مع أحد المكاتب الاستشارية الكبرى فى فرنسا، ومتحفًا للبعثة الفرنسية فى إيران، ومتحف جامعة حلوان، ومتحفًا فى بورسعيد بجوار تمثال ديليسبس. وفى الباطن صاحب رؤية وفلسفة خاصة بدت واضحة  فى مشروعه العبقرى. متحف الحضارة... فهذا ليس متحفًا لعرض الآثار لكنه للحضارة، وهذا يعنى أن الأثر بداخله شاهد على حكاية تروى عبر الزمن.. قصة الحضارة هى الأساس، والملتيميديا  لها دور مهم جدا، ومؤثر فى طريقة العرض.

«متحف الحضارة» فى الظاهر يضم آثارًا عظيمة.. وفى الباطن  لا يقدم للزائر مجرد قطعة أثرية.. تمثالًا أو مومياء، وإنما يروى له «لماذا وكيف ومتى»، قصص تعكس إبداع العقل المصرى عبر الحضارات والأزمان، هذا ما سيجده الزائر فى هذا المتحف فى مجالات الزراعة والطب والعمارة والكتابة.. البحث عن شواهد على الإبداع المصرى عبر الحضارات، مثل العجلة الحربية، والقدم الصناعية، وأدوات الطب، والعمارة والزراعة. 

«الدكتور كسيبة» فى الظاهر يحمل على كتفيه مشوارًا ممتدًا لما يقرب من 60 عاما، أمضاها أسطورة العمارة العالمى، فى الحياة العملية والعلمية، منذ كان معيدا فى كلية الفنون الجميلة، وحرص على أن يكون مشروع تخرجه إنقاذ معابد أسوان من الغرق فى مياه بحيرة ناصر، بعد تحويل مجرى النيل لبناء السد العالى، وفى الباطن صاحب فلسفة معمارية خاصة تمزج بين الخيال والجمال والدقة ، وتعكس ثقافة واسعة ، جعلت منه واحدا من أعلام العمارة فى العصر الحديث.

«الدكتور كسيبة» فى الظاهر رجل ظل عقودًا يطارد حلمه ومنذ أن طرحت اليونسكو مسابقة عام 1982 وفاز مشروعه بعد منافسة شديدة مع 65 مشروعا تم تقديمها.. وفى الباطن هو مقاتل عنيد كأجداده العظام... أصحاب المومياوات الملكية والذى صمم لهم «أيقونة» المتحف، لأن الحضارة المصرية تنفرد بها وبعمليات التحنيط، والخبيئة الأثرية التى عثر بداخلها على المومياوات والتوابيت الملكية، وحرص على أن تكون قاعة المومياوات أسفل قاعة العرض المركزية، واعتمد فى التصميم على خروج الزائر من قاعة العرض ليجد أمامه مكانًا أشبه بسفح الجبل، ومدخلًا مشابهًا تماما لمدخل المقابر الفرعونية فى البر الغربى، والنزول إلى أسفل بشكل مركز حتى يعطى للزائر الإحساس بالعبور لعالم آخر، فيرى المومياوات والتوابيت والمقتنيات الموجودة بجوار كل ملك أو ملكة.

« الدكتور كسيبة» توقف مشروعه عدة مرات دون أسباب واضحة... حتى فى عام 1998 عندما وافقت الوزارة على إعادة إحياء مشروعه وقف فى مؤتمر موسع فى (ميريديان) المطار، وما لا يقل عن ٥٠ خبيرًا من خبراء اليونسكو فى الظاهر بيناقشوا المشروع.. وفى الباطن بيقطعوا الفكرة والمشروع والموقع وهو بصلابة مصرى امتلك كل الجينات الأصلية من أجداده العظماء يقف فى الطرف الآخر يدافع عن حلمه ويجبرهم على الموافقة من جديد.

بدأ الاستعداد لتنفيذ المشروع فيواجه معوقات مصرية بسبب اختيار المكان، ليتأخر المشروع  سنوات  أخرى.. وفى عام 2002 استقر الجميع على موقع له علاقة بمنطقة أثرية وتاريخية مهمة، ومطل على بحيرة قديمة، وهو الموقع الحالى بالفسطاط، وبدأ المشروع يظهر للنور من جديد.

فى الظاهر اجتمعت لجان اليونسكو مرة أخرى وطلبت تعديلات وحذفًا طبقا للمساحات والموقع الجديد، وفى الباطن بدأت المماطلات والتسويف.. مندوب من اللجنة يعترض على عدم استغلال المساحة فى إنشاء جراج متعدد الطوابق تحت المتحف.. والدكتور كسيبة يستجيب ويقوم بالتعديل ليتأخر عامًا جديدًا لإضافة الجراج إلى التصميمات.. وبعد اجتماع اللجنة يعترض أحد الخبراء الدوليين على وجود الجراج ويعتبره يشكل خطرا كبيرا على المتحف، فى ظل عمليات الإرهاب والسيارات المفخخة المنتشرة، وأنه بمثابة قنبلة أسفل المتحف، واللجنة تؤيد رأيه، فيتم  حذف الجراج مرة أخرى.

خليك زى «الدكتور كسيبة « مافيش حاجة توقفك  ومهما حاول أصحاب الجينات الخبيثة إحباطك.. قاوم.. صدق حلمك.. طارده لحد ما تشوفه قدامك من لحم ودم وتبث فيه الروح.