الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حديث النفس فى رمضان

حديث النفس فى رمضان

 (*) الإيمان هو القيمة الكبرى التى نعيش بها ولها.. هو كلّ الحياة لو فهمناه، هو كلّ الواقع لو وعيناه، هو كلّ الشريعة لو أخذنا بدقائقه وبكلّ مفرداته وقواعده.. وإذا أردت أن تتحدّث عن صاحب أيّ فكرة فلا بُدَّ أن تتحدّث عن إيمانه بالفكرة، لأنَّ ذلك هو الرابط الأساسى له بالنّاس، فعلاقة الإنسان بالإنسان هى علاقة حركة الفكر،  فكثيرٍ من النّاس يحسبون أنفسهم حاضرين ولكنَّهم غائبون عن مجتمعهم، قد يكونون حاضرين بأجسادهم ولكنَّهم غائبون عن هموم الناس وقلوبها وإحساسها، وقضية الحضور والغياب هى فى مدى وعى النّاس الذين تعيش فى داخلهم لا من خلال الحجم الذى تتّخذه لنفسك فى حركتك فى الحياة عظيماً كان أم ضئيلًا.



ومن ثم فإن القضية الحقيقية هى هذا الفاصل بين الفكرة والإرادة، بين الرغبة والحركة، الرغبات تبقى أحلاماً، وبدلًا من أن نُنـزل هذه الأحلام إلى الواقع نحاول أن ننطلق بها إلى الخيال، والفكرة تبقى فى عقولنا مجرّد معلومات، والقيمة الكامنة فى المعلومات هى عندما تتحوّل إلى واقع، وإلاَّ كانت وهماً، كثيرٌ من الفلاسفة حشروا أنفسهم وتحوّلت فلسفاتهم إلى هواء، وأصبحت مجرّد شىء يُتعب عقلك ولا يغذى الحياة.. وجاء النّاس الذين يفكرون فى الإنسان فى رسالتهم، واستطاعوا أن ينطلقوا بالإنسان إلى مجالات واسعة. (*) الرسالات كلُّها هى حركةٌ فى واقع الإنسان من أجل أن تتمِّم له أخلاقه، ولكلّ مرحلة أخلاقها، وتأتى المرحلة التالية لتكمل ما نقص ممّا جدّ واستجدَّ من قضايا الحياة ومشاكلها، حتى كان ختام الأخلاق الرسالية هو ختام الرسالة فى الرسول الأكرم محمَّد (صلى الله عليه وسلم) الذى جاء ليتمِّم ويكمل للإنسان أخلاقه، وانطلق بالإسلام لا ليكون ديناً فى مقابل الأديان، ولكنَّه دين يحتضن كلّ الأديان، مصدّقاً لما بين يديه، يؤمن بالرسل كلّهم، ينطلق ليأخذ من كلّ رسالة ما أراد اللّه له أن يأخذه ممّا يبقى للحياة، لأنَّ هناك شيئاً فى الرسالات قد يكون مرحلياً، ولذلك جاء عيسى (عليه السلام) ليحلّ لهم بعض ما حرّم عليهم، وجاء موسى قبله ليحرّم عليهم بعض ما أحلّ لهم. والقضية هى أنَّ قيمة الإسلام هى هذه، الإسلام ليس ديناً فى مواجهة اليهودية، كما يواجه الفكر الخصم فكراً خصماً آخر، وليس فى مواجهة المسيحية، ولكنَّه يحتضن ما دعت إليه المسيحية وما يبقى من اليهودية وماتضمنته صحف إبراهيم وما يبقى من كلّ النبوَّات صغيراً أو كبيراً، ليقول للإنسان كلّه: أيُّها الإنسان، لقد كان هناك تاريخ للرسالات وأنا اختصرت لك كلّ هذا التاريخ، آمن بالرسل كلّهم، ولتكن حياتك فى خطّ الرسل كلّهم، فأنا خاتمهم وأنا معهم أسير.

 (*) إذاً قيمة الفكرة أن تتحوّل إلى واقع، ونحن نعرف، حتّى فى قرآننا وفى سنتنا، أنَّه لا قيمة للإيمان إذا لـم يكن مقترناً بالعمل الصالح، لأنَّ العمل الصالح هو حركية الإيمان فى واقعك، كما أنَّ الإيمان هو حركية الصلاح فى عقلك، وعندما تكون صالحاً فى عقلك من خلال إيمانك وتكون صالحاً فى عملك من خلال حركة إيمانك، عند ذلك يمكن أن تعطى الحياة صلاحاً، هذا هو{وإنَّك لعلى خلق عظيم}(القلم:4)، هل الخلق ابتسامة؟ هل الخلق مجرّد مصافحة حنونة؟ هل هو مجرّد مجاملات؟ هل الخلق حالة عناق أو احتضان؟ الخلق هو أنت فى كلّ حركتك فى الحياة، الأخلاق تختصر كلّ حياتك، علاقتك بنفسك هى خُلُق، علاقتك باللّه، علاقتك بأسرتك، علاقتك بالنّاس الذين تعمل معهم ويعملون معك، علاقتك بالحكم، بالحاكم، بالقضايا الكبرى. وبعبارة أخرى، الأخلاق ليست شيئاً على هامش حياتنا، إنَّما هى كلّ حياتنا، هى أسلوبنا فى الحياة، أسلوبنا فى التعامل، أسلوبنا فى الكلام، أسلوبنا فى اتخاذ المواقف، أسلوبنا فى تحديد المواقع، أسلوبنا فى مواجهة التحدّيات، ولذلك رأينا أنَّ رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) اختصر الإسلام كلّه فى عبارة واحدة: «إنَّما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».

(*) ومن حصاد كل هذا نجد أنه عندما ننفتح على الرسول (ص) فعلينا أن ننفتح على كلّ سيرته، لأنَّ سيرته كانت رسالةً كما جاء فى تعريف سنّة النبيّ (ص): «السنّة قول النبيّ أو فعله أو تقريره»، قوله سنّة، وحركته فى الحياة سنّة، ورضاه بما يرى ممّا يقرّ النّاس عليه سنّة، لذلك هو شريعة بكامله، فإذا أردنا أن نتدارس سيرته (ص)، فليس من الضرورى أن نقرأ سيرته فى كتب السيرة، بل نقرأ القرآن بكلّ أخلاقياته، وبكلّ حرامه وحلاله، وبكلّ حركته فى الحرب والسلم، فسنجد أمامنا الصورة الواضحة لمحمَّد (ص)، لأنَّه عاش القرآن فى كلّ كيانه قبل أن يبلّغه للنّاس، فكان القرآن الناطق، وكان ما يسمعونه القرآن الصامت.. ومن هنا وصف شهر رمضان المعظم بأنه شهر القرآن.

اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وكل عمل يقربنا إلى حبك.

وبالأخلاق تحيا الشعوب