
د. طارق الغنام
الدائرة غير المكتملة
كنت فى زيارة إلى إحدى الدول العربية المعروفة بصرامتها فى تطبيق قواعد المرور وبمجرد أن غادرت المطار قمت باستقلال إحدى السيارات الأجرة واستلقيت على مقعد السيارة مسترخياً من عناء السفر، ولكن سرعان ما اكتشفت أن قائد السيارة يسير عكس الاتجاه فاعتدلت ونظرت بدهشة إلى قائد السيارة وقلت له إنك تسير فى مسار خاطئ ، فنظر إلى نظرة مطمئنة والابتسامة ترتسم على وجهه قائلاً إن هذا الطريق جديد وكاميرات المراقبة لم تصل إليه حتى الآن وأكمل سيره غير مبال بما أبديته من دهشة وضارباً بعرض الحائط قواعد المرور.. وهذه الواقعة أتذكرها دائماً عندما تثيرنى الدهشة حين أعجب بالانضباط الذى أشاهده فى الكثير من مدن الدول المتقدمة، فهذا الانضباط لا ترجع كل أسبابه إلى تحضر البشر فقط؛ وإنما يرجع جانب منه أيضاً إلى الرقابة القوية التى تفرضها الدول المتقدمة على رعاياها - والتى لا تتعارض مع مفهوم الديمقراطية والحريات - فهذه الرقابة إذا تزعزعت فسوف ترى ما لا يصدقه عقل ، وخير دليل على ذلك ما وقع فى مدينة نيويورك يوم 13 يوليو1977 عندما تعرضت المدينة لعاصفة رعدية أدت لقطع التيار الكهربائى بها، لتعيش المدينة ليوم كامل ليلة مظلمة لم تعهدها المدينة من قبل مما أدى إلى انتشار حالة من عدم الاستقرار وانتشار الشغب وعمليات السرقة والسطو، ومهاجمة عصابات من الأحياء الفقيرة الأحياء الغنية ، فأُلحق بالمدينة خسائر باهظة نتيجة لحالات السرقة والتخريب..فهذه الأحداث نستنتج منها بكل بساطة قاعدة هامة وهى أن الرقابة الجيدة ثروة حقيقية بها نحافظ على إنجازاتنا وبها نقى أنفسنا من خسائر فادحة .. فإذا كنا نعيش ملحمة اقتصادية تتحقق على أرض مصر بقوة وفى سرعة تسحر الألباب ؛ تستهدف تغيير واقع مصر ومعالجة ما طال أمده من مشكلات وأزمات اقتصادية.. فيجب أن نعى أن هذه الإنجازات عكست آثارها بقوة على مكنون المصريين لأنها بعثت فيهم الأمل من جديد، فبات المصرى يتطلع لغد أفضل وباتت لديه رغبة فى المشاركة فى صنع المستقبل.. ولكن فى خضم هذه الفرحة التى تغمر المصريين بإنجازاتهم تحت قيادتهم الرشيدة ، وفى حين تتسارع معدلات النمو على نحو يثير إعجاب العالم ، نجد البعض يتعمد العبث بهذه الإنجازات التى حققها المصريون - بجهدهم ومثابرتهم – بالإهمال وسوء الإدارة ، وهذا يجعلنا نتوقف ونتفكر ونقول أنه ولا بد أن هناك حلقة لم تكتمل ، فالدولة تخطط وتنفذ وتنجز إنجازاً يبهر الدانى والقاصى ثم سرعان ما يتولى أمر هذه الإنجازات موظفون لا يقدرون الأمور بقدرها فيشكلون عبئاً على صانع القرار وثقلاً ثقيلاً يقاوم انطلاقه ، فهؤلاء لا يرغبون أن يستيقظوا من غفوتهم ولا يسعون إلى تطوير أنفسهم وأفكارهم بل إن الكثير منهم لا يجدى معه الإصلاح ، ومن جهة أخرى نجد أن البعض- الموجه له الخدمات التى يتم تطويرها من أجل رفاهيته يقابل هذه الإنجازات بالسخرية أو بتشويهها بأفعاله غير مسئولة ... فالحقيقة إننا فى حاجة إلى أن نولى جانب تنمية البشر والموارد البشرية بالدولة- خاصة بنطاق المشروعات التى تقيمها الدولة -عناية خاصة فضلاً عن المزيد من حملات التوعية للمواطنين بالإضافة إلى بسط الدولة المزيد من الرقابة على مشروعاتها التى تنجزها حتى تظل متلألئة كيوم افتتاحها.