السبت 1 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 53

لغة الجينات 53

هناك فرق كبير بين الكبرياء وعزة النفس، والمكابرة.. الكبرياء من صفات أصحاب الجينات الأصلية، فى الظاهر ترفع وعدم انقياد، رفض الخضوع والاستسلام للأمر الواقع.. وفى الباطن مقاومة للنفس.. مشاعر وأحاسيس حقيقية تدفعك لاحترام نفسك وتبعدك عن الصغائر ما ظهر منها وما بطن.



«المكابرة» والعند من صفات أصحاب الجينات الخبيثة، فى الظاهر عصبية زائدة واندفاع.. استخدام  لغة التهديد والوعيد فى كل موقف يتعرض له من يكابر ويعاند، وفى الباطن  همجية وعدوانية.. شعور بالدونية، البحث عن قوة وهمية تحميه.. ادعاء سلطة زائفة.. ضعف ومغالطة، تمادى واعتزاز بالإثم.

«المكابرة» فى الظاهر عدم اعتراف بالخطأ، دفاع عن النفس، تمسك بالرأى والإصرار على أنه صواب.. وفى الباطن  طبقية و»تعالي «ولامبالاة وشعور بالنفوذ، وأنه فوق البشر والقانون، فتراه لا يعترف بأخطائه بل يحاول إيهام الجميع أنك أنت على خطأ.. يطلب منك أن تستأذنه لتقوم بواجبك أو عملك. 

«المكابرة» فى الظاهر شعور كاذب بالعظمة وفى الباطن اضطرابات شخصية، حالة هوس، تزداد فيه فكرة أن المعترف بخطئه يقلل من قيمة نفسه، «عنجهية» غريبة لا مبرر لها.

«صاحب  الجينات الأصلية» فى الظاهر والباطن لا يعرف المكابرة، لكن يتمسك دائما بالكبرياء، بعزة نفسه،، عدم الرضا بالهوان، والمهانة، والذل، التمسك بالكرامة، والمبادئ، والأخلاق التى تجعل الناس تحترمه، وتحبه.

«الشيخ محمد صديق المنشاوى» واحد من أصحاب الجينات الأصلية التى لم تبهرهم الشهرة، ولم تؤثر فى طباعهم أو تنال من كبريائهم، فى الظاهر يجالس القادة والملوك وفى الباطن ظل على بساطة نفسه ورفيع خلقه، فكان لا يحب الشُهرة، ولم يعرف الاستعلاء طريقًا إليه.

«الشيخ المنشاوى» فى الظاهر وهبه الله الصوت الجميل والقبول فصار مقربًا من السلطة والقادة والملوك .. وفى الباطن لم يجنح أبدا  إلى الكبر، أو الاستعلاء ؛ بل كان يتحلى بالبساطة والتواضع الشديدين، وكان كثيرًا ما يتحرر من عمامته ويرتدى جلبابًا وطاقية بيضاوين، ويجلس أمام بيته، حتى أن بعض الناس  كانوا يعتقدون أنه بواب العمارة؛، لكن ذلك لم يكن يضايقه.. ولدرجة أن شابًا ظن أنه البواب، وسأله: لو سمحت يا عم .. هو الشيخ محمد صديق المنشاوى ساكن فى الدور الكام، فنظر له الشيخ، وقال: حاضر يا بنى انتظر حتى أرسله إليك، ولم يقل له: أنا الشيخ حتى لا يضعه فى حرج! وصعد الشيخ إلى شقته، وارتدى العمامة والقفطان والنظارة، ثم نزل إليه، وسلم عليه، وقال له: من الذى سأل عنى؟!».

«الشيخ المنشاوى» فى الظاهر ظل على بساطته وفى الباطن  لم يتردد فى رفض، طلب الملك فاروق أن يكون قارئًا بالقصر الملكى، واشترط على الملك إغلاق المقاهى، والتوقف عن تقديم المشروبات، اعتبارًا من الساعة الثامنة مساءً وقت إذاعة القرآن الكريم، والذى كانت تنقله الإذاعة من القصر الملكى، قائلاً للملك: إن للقرآن جلالة فهو كلام الله، ولا يجب أن ينشغل الناس عنه وقت تلاوته بالسؤال عن المشروبات ولهو الحديث.

رد الملك: ذلك يعنى أن نكلف حارسًا على كل مقهى! وهذا أمر يتعذر علينا. فقال الشيخ: كذلك؛ ما تطلبه أمر يتعذر علينا أيضًا.

«الشيخ المنشاوى» فى الظاهر لقبوه بـ«الصوت الباكى» لما فى صوته من نبرة حزينة وأداء حزين.. وفى الباطن  كان دائما ما يحركه اعتزازه بنفسه ولدرجة أنه رفض حضور حفل يشارك فيه عبدالناصر لمجرد أن من حمل الرسالة قال له سيكون الشرف بحضور حفل عبدالناصر، فرد عليه: الشرف

لعبد الناصر أن يسمع القرآن بصوت المنشاوى.. واعتذر عن المشاركة.

«الشيخ المنشاوى» كان كريمًا ودودًا يحب البسطاء والمحتاجين، ويتحبب إليهم بالعطايا، وفى أحد الأيام أخبر أهله فى الظاهر بأنه يريد عمل وليمة كبيرة على شرف جمع من الوزراء وكبار المسئولين، فتم عمل اللازم، وفى الباطن كان يستعد لاستقبال البسطاء.. وفوجئ أهله بأن ضيوفه كانوا جميعًا من الفقراء والمساكين من أهل البلدة.

ألم أقل لكم إن الكبرياء وعزة النفس  من شيمِ الأتقياء.. والتجاهل أو المكابرة من صفات أصحاب الجينات الخبيثة.. 

ألم أقل لكم إن الاعتراف دائما بأخطائنا والسماح لمشاعرنا أن تكون حرة نقية.. هى الدليل على امتلاكنا للجينات الأصلية  اعلم أن قول «أنا آسف» لن تقلل منك... لكن المكابرة والعناد فى الغلط هم اللى بيقللوا منك،.. إعتذارك مش جِميل ولا فضل منك، ده الواجب والعادى والطبيعى. 

احذر ممن يكابر ويعاند ويتباهى ويتفاخر  بالأقارب والأهل  والمعارف من أصحاب النفوذ.