الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
استراتيجيات شيطانية

استراتيجيات شيطانية

الأصل فى عمليات الإنتاج والتسويق والبيع والشراء هو وجود حاجة لدى العميل يتم تحقيقها بواسطة سلعة أو منتج لدى البائع والذى يتفنن فى إعلام العميل بوجوده أولا ثم بمميزات ما يقدمه من سلع وخدمات ومن ثم تتم عملية البيع وتتحقق الحاجة للعميل والربح للبائع المباشر وباقى السلسلة وصولًا إلى منتج السلعة أو مقدم الخدمة والسلاسل الأخرى المرتبطة بهما.



ولكن يبدو أن العالم قد دخل إلى مرحلة أخرى منذ ثمانينيات القرن الماضى حيث تخطت العلاقة بين الأطراف ذلك النمط التقليدى السابق الإشارة إليه فأصبحت عملية البيع والشراء لا تعتمد بالدرجة الأولى على الاحتياج مثلما كان الأمر فى السابق وهو ما انتج كائنات استهلاكية تقوم بالشراء بصورة محمومة لمنتجات ليسوا فى حاجة إليها أو لديهم منها عدة نماذج سابقة ولكن لا يشعرون بالارتياح لها.

بالطبع لم تكن الأمور فى الماضى مثالية فى كل الحالات فالمثال الخاص بالموضة لا يعتمد على الاحتياج إلى تغطية الجسم والعورة فحسب والا لما تغيرت الأزياء عبر العصور ولكن هنا تم خلق احتياج جديد لدى العميل وهو الاحتياج إلى أن يكون أكثر أناقة وأكثر مسايرة للجديد وأكثر ابتعادا عن القديم واحتاج ذلك إلى تغيير الصورة الذهنية للقديم ولمن يرتديه بأنه قليل الفهم أو قليل المال أو بخيل شديد البخل على أقل تقدير.

للأسف تلك الاستراتيجية قد تمددت إلى مجالات أخرى فلم يعد اقتناء كرة قدم هو الحلم الوحيد لدى الأطفال فبعد اقناء أول كرة تظهر فى الأسواق كرة قدم أخرى بنفس المواصفات الفنية ولكن بألوان مختلفة أو تشابه كرة القدم المعتمدة رسميا فى كأس العالم أو كأس أوروبا وهو ما يجعل الاحتياج إلى الشراء يتجدد ويتكرر وفى النهاية تدخل إلى حجرة هذا الطفل فتجد أربع أو خمس كرات للقدم... نفس الأمر فى الأحذية الرياضية وملابس اللعب والتدريب... إلخ.

نفس الاستراتيجية نراها فى الأجهزة التقنية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحواسب وملحقاتها والتى تقوم بدفع المستهلكين دفعا للتخلص من أجهزتهم وشراء أجهزة أحدث من خلال التعديلات والإضافات المستمرة لمواصفات المكونات الصلبة Hardware وصولًا أحيانا إلى تعمد إبطاء عمل تلك الأجهزة ليتم التخلص منها وشراء الأحدث أو من خلال التحديثات المستمرة للبرمجيات Software وهى قضية لن تنتهى وهى لا تعتمد على احتياج العميل بالدرجة الأولى والأمثلة على هذا كثيرة منها المثال الشهير لأحد نظم التشغيل المتميزة التى تخلت الشركة عن تقديم دعم فنى لها وحذرت العملاء لوجوب الانتقال إلى الاصدارة الجديدة على الرغم من ان الاصدارة القديمة ربما كانت الأفضل على الاطلاق فى تاريخ الشركة.

بالطبع المقال ليس دعوة للجمود والتعلق بالقديم بدون تفكير ولكنه قد يكون محاولة للتحذير من الإنجراف إلى الجديد بدون تفكير أى أن الأمر ببساطة يحتاج منك عزيزى العميل إلى القليل من أعمال العقل أمام تلك الاستراتيجيات الشيطانية لأنك الخاسر الوحيد فى النهاية.