الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثقافة وعلوم وفنون

ثقافة وعلوم وفنون

الزمان: 21 يوليو1960



المكان: أحد أحياء القاهرة

يقوم الأب بتوصيل جهاز التليفزيون إلى مصدر تيار كهربائى مستقر ثم يعتدل فى جلسته امام الشاشة بمشاركة زوجته وأولاده واخيه واخته وأولادهما بالإضافة إلى عدد من الجيران فى العمارة والعمارات المجاورة فالحدث جلل والجميع يترقب هذا المجهول... شاشة سينما منزلية صغيرة ستعمل جنبا إلى جنب مع جهاز الراديو الذى مر على بدء استخدامه أكثر من ربع قرن ولكن النقلة هنا جديدة فالتفاعل سيكون بالصوت والصورة.

الإرسال خمس ساعات يوميا ولكنها مغامرة تستحق المتابعة والتقييم وعلى هذا الاساس سيتم اتخاذ قرار الشراء لهذا الجهاز العجيب الذى يتم الترويج له بكل السبل منها الجملة الشهيرة «كله ثقافة وعلوم وفنون مسلى تمام زى السينما... التليفزيون» وذلك فى اغنية لطيفة تحمل نفس الاسم.

وفجأة وأثناء تحديق الجميع فى تلك الشاشة الصغيرة إذ انبعث منها دخان كثيف وظهرت عدة عبارات باللغة الإنجليزية على شاشته ثم انتقلت إلى حوائط الحجرة فالتفت اليها الجميع والتى تحولت إلى سيل من رقمى الصفر والواحد يتحركان بصورة رأسية من السقف حتى الأرض بأسلوب مشابه لفيلم ماتريكس الشهير.

دقائق من الترقب ثم انطلق صوت رخيم يحدث المشاهدين بأن التليفزيون قد تحول إلى جهاز تفاعلى أى أن من حق المشاهد أن يبدى رأيه وأن يتفاعل مع الاحداث والاخبار والاعمال المختلفة بل ويمكنه القيام بإنتاج أعمال فنية ويقوم بنشرها على الفور وسيراها كل المشاهدين فى انحاء العالم المختلفة.

بدأ الأب بإبداء الرأى فى أحد الاخبار الصادرة فى هذا اليوم والذى يتحدث عن وصول رجل الاعمال والبحار فرانسيس تشستر إلى نيويورك بعد رحلة بحرية استغرقت 40 يوما على متن مركب صغير بمفرده حيث تساءل الاب «ما جدوى تلك الأنشطة التافهة؟؟»... بعد ثوان قليلة وجد عبارته مذاعة تليفزيونيا وتحتها الاف التعليقات التى تهاجم ما قاله وتصفه بالتخلف وعدم الانفتاح على الثقافات الأخرى... بعض الآراء طالبته باغلاق جهاز التليفزيون والعودة إلى المذياع طالما لا يستطيع التفاعل بتحضر مع تلك التقنيات الحديثة المتطورة. ما هى إلا دقائق وبدأ برنامج للأطفال مما دفع الصغار المجتمعين بالغرفة إلى الغناء والرقص ثم بعد انقضاء دقائق أخرى ظهر مقطع مصور للأطفال وهم يرقصون حول الاب يذاع فى التليفزين جنبا إلى جنب مع عشرات الالاف من المقاطع الأخرى التى تصور أطفال فى مثل سنهم وهم يرقصون...بدأ الأطفال فى التواصل والتعليق على تلك الرقصات المختلفة فى سعادة واندهاش.. بعد ساعة ونصف من الاشتباك بين الاب واخرين بخصوص البحار وماقام به من رحلات بحيرة واشتباك الأطفال ورقصاتهم المختلفة.... بدأ برنامج صغير لفنون الطبخ ما جعل الام تنتقد المقادير المستخدمة لصنع الحلوى وهذا الانتقاد العفوى ادخلها فى صدام مباشر مع المذيعة والقائمة بالطهى.. دقائق وعاد الدخان إلى الانطلاق حول التلفاز وعادت الأرقام تتحرك على الحوائط حيث تحرك رقمى الصفر والواحد فى اتجاه عكسى من أرضية الحجرة حتى السقف... ارتج جهاز التليفزيون قبل أن يعود إلى طبيعته الأولى للارسال فقط. اطفأ الاب التليفزيون وجمع اهله واصدقاءه ودخل فى نقاش مطول حول خطورة التفاعل مع العالم الخارجى اذا ما استمر التليفزيون فى التصرف بتلك الطريقة الغريبة.

وبعد 61 عاما من هذا اليوم لايزال أبناء واحفاد هذا الرجل يتناقشون حول مخاطر شبكات التواصل الاجتماعى وفوائدها وجدواها وسبل التعايش والاستفادة.