الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البرارى والمحمول

البرارى والمحمول

التليفون المحمول والذى نراه مزعجا الآن لم يكن كذلك عندما بدأ فى مصر أواخر عام 1996..البداية كانت باهظة الثمن مرتفعة التكاليف معقدة الإجراءات.. تكلفة الجهاز والخط كانتا فى حدود حوالى خمسة آلاف جنيه هذا بخلاف الفاتورة الشهرية وسعر الدقيقة المرتفع.



عند إجراء أول مكالمة من خلال الهاتف انتظر بعضنا أن يستمع لصوت الحرارة قبل أن يبدأ فى إجراء الاتصال.. جهاز التليفون كان كبير الحجم وبه هوائى لتحسين الاستقبال.. التغطية كانت ضعيفة. لكن الاستعراض كان قويا.. يكفى أن ترى شخصا يحمله أو يتكلم فيه لتتوقف وتشاهده.. اذا جاءت مكالمة داخل قاعة السينما فإن صاحب الهاتف كان ينتظر حتى يتأكد اخر شخص فى الصف الأخير من وجود تليفون محمول معه.. الاكسسوارات كانت باهظة الثمن.. أول سماعة كانت فى حدود 300 جنيه وكذلك أول جراب.

السماعة الآن لا تتعدى عشرة جنيهات وتسمح لك بالتحدث فى المحمول والضحك أثناء السير فى الشارع أو أثناء قيادة السيارة.. تسمح لك أيضا بالتحدث والضحك مع نفسك وعلى نفسك بدون أن يتم اقتيادك للسرايا الصفراء.

المحجبات يستغنين عن السماعة ويتم استخدام الطرحة كبديل.. استمر حجم الهواتف فى الانكماش وكلما كان أصغر حجما وأقل وزنا كلما كان أغلى ثمنا وأكثر وجاهة.. ظهور الكروت المدفوعة مقدما عام 1998 بظهور الشركة الثانية كان نقلة كبيرة.. إحدى الشركات كانت تردد فى الاعلانات أن «المحمول فى يد الجميع» اعتبرناها نكتة أو مبالغة إعلانية.. الآن اصبح الأمر كذلك فعلا مما أثر أيضا على استخدام الهاتف الأرضى وتراجع أهميته. 

عاد حجم المحمول للكبر مع ظهور شاشات اللمس وما عاد للاتصال التليفونى فقط. اصبح حاسب ألى وراديو وتليفزيون ومفكرة وحافظة كتب ومجال للألعاب والدخول على الانترنت وملاقاه الاصدقاء من خلال شبكات التواصل الاجتماعى والعديد من المعاملات المالية والاستخدام فى الدراسة والعمل وهوايات مثل التصوير بكاميرا عالية الدقة مكتبة للأغانى والاقلام والمسلسلات وكل أشكال الدراما وصولا الى المنصات الدرامية التى أخذت مكانها بجوار جهاز التليفزيون وأحيانا قضت على وجوده تماما فى بعض الأحوال. 

الحياة ما عادت كما كانت قبل انتشار هذا الجهاز الخطير...الحبكة الدرامية فى العديد من الأعمال الأدبية والفنية القديمة تم نسفها تماما فى عصر المحمول.. أمثال شعبية مثل «الغايب حجته معاه» اختفت تماما.. الغايب يمكن الاتصال به أو ترك رساله صوتية أو نصية فلا مجال للغائب إلا الموت.