الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فنانون كبار رسموا للصغار

فنانون كبار رسموا للصغار

حلمى التونى.. والروح الشعبية فى رسوم الأطفال



الفنان حلمى التوني، من أشهر رسامى كُتب الأطفال فى مصر، والوطن العربي، درس الفنون فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، حصل على بكالوريوس فى فن التصميم المسرحي، بالإضافة إلى التصوير الزيتي، شارك فى عدة نشاطات متعلقة بالفنون الجميلة مثل: النشر، ومسرح العرائس، وتطوير الطرز الوطنية للأثاث، وقد ألف وصور العديد من كتب الأطفال، التى نُشرت بعدة لغات أجنبية، وحصل على العديد من جوائز العربية والعالمية، منها جائزته المهمة والتى حصل عليها من معرض بولونيا الدولى لكتب الأطفال، عن رسوم وتصميم كتاب: «أجمل الحكايات الشعبية» للكاتب الكبير: يعقوب الشاروني، وعن مشواره الفنى، قال:

قراء المطبوعات بالملايين

بدأت التوجه نحو الرسم للأطفال، والعمل فى حقل الطفل فى الستينيات، كان هناك مبدأ عام اتبعه معظم الفنانين، والمثقفين، ما كان يسمى فى ذلك الوقت، بالالتزام – يعنى – مصلحة الجماهير من الناس البسطاء، فى هذا البلد، وهكذا عمل كثير من الفنانين، والكتاب فى مجالات النشر الواسع، فى الصحافة، والهدف هو توصيل الثقافة، والرسم، والكتابة، إلى أكبر عدد من الناس من خلال الوسائل الصحفية، فكان اللجوء إلى المطبوعات، لأن قراءها بالملايين، ويمكننا أن نتوجه إلى الأجيال الجديدة من خلالها، فكان التوجه نحو الكتابة، والرسم للأطفال، سعيًا إلى تكوين جيل قادر على التعامل مع الثقافة بأشكالها المختلفة، إذا تربى أساسا على رسوم وكتابات قيمة، وجادة منذ الصغر، وكنت واحدًا من هؤلاء.

الأراجوز فن جميل

فى فترة الستينيات ظهر فن جديد له أيضًا اتصال بالجماهير الواسعة، ومنهم الأطفال، وله أيضا علاقة بالتوجه الشعبى الذى كان سائدا فى هذه الفترة، وهو فن «الأراجوز» وهو فن قديم جدًا فى مصر، ولعل كبار السن مثلنا يذكرون فنان الأرجوز، وهو يجوب فى الشوارع، ويؤدى عروضه.

وبدأت علاقتى الفعلية بهذا الفن (العرائس) منذ كنت أعمل مديرًا فنيًا بدار الهلال، اتصل بى الفنان: صلاح جاهين، وطلب منى أن أرسم له غلاف اسطوانة «الليلة الكبيرة» – وهو عمل مشهور قدم على مسرح العرائس بالقاهرة – وقلت لصلاح: ولكنك أنت فنان، فلماذا لا ترسمه أنت، فقال لي: لا أنت أقدر، لأن رسوماتك فيها الروح الشعبية، أكثر مما عندي.

صحصح لما ينجح 

ويكمل حلمى قائلًا: بعدها بفترة وجيزة، اتصل بى مسئول فى مسرح العرائس، وطلب مقابلتى لأننى قد رشحت من المسئول: «راجى عنايت» ومن: صلاح جاهين، لوضع تصميمات وشخصيات وديكورات رواية جديدة، كتبها: صلاح جاهين، وهي: «صحصح لما ينجح» وكان أول ظهور لهذه الشخصية - شخصية «صحصح» - وقمت بالعمل المطلوب، ونجح نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ونالت شخصية «صحصح» التى رسمتها، وقمت بالإشراف على تنفيذها كدُمية، نالت شهرة كبيرة، حتى أصبح «صحصح» بطلًا تؤلف له الروايات، وبعد ذلك بفترة طلب الفنان شكوكو مقابلتي، وذهبت إلى شارع «توفيق» أحمد عرابى الآن، ووجدت بروفات لمسرح عرائس أخر، أسسه الفنان: محمود شكوكو، وكان العمل الذى تجرى عليه البروفات، وطلب منى أن أجلس لأرى البروفة، وأذكر أن الصوت كان مسجلًا بصوت محمود شكوكو، وشاركته البطولة الفنانة: سعاد مكاوي.

علاقتى بشكوكو

ويكمل التونى قائلًا: سمعت الحوار، ومما سمعت عبارة على لسان محمود شكوكو لفتت نظرى جدا، ولازلت أتذكرها، وهو كان يمثل دور بائع كتب قديمة، على سور الأزبكية الشهير - فى ذلك الوقت - تقول: «كتب التاريخ اللى تسلى.. هى اللى بعشقها تمللي» قلت: هذا فنان جاد.

حياة الطفل مغتربة

الطفل المصرى ينقصه الانتماء إلى حضارته، وثقافته، وفنونه، فرغم الأناشيد الوطنية، التى يرددها التلاميذ كل صباح فى المدارس، فإن باقى حياة الطفل هى حياة، مغتربة تمامًا، فهو مُحاط بثقافة وفنون مستوردة وغريبة عنه، وبالتالى يشعر أن هذا الفن الوافد هو النموذج، والأخطر من ذلك، أن ثقافة هذا الفن الوافد، ثقافة متميزة، عليه أن يقتدى بها، وأن يحاكيها وبالتالى لا يلتفت إطلاقًا إلى ثقافته الوطنية، وهنا ينشأ لدى الطفل المصري، والعربى أيضًا شعور بالدونية، وعدم احترام ثقافته، وحضارته، وتاريخه، وهذا شيء خطير ستظهر نتائجه السلبية فى الجيل القادم، والأجيال التالية إلا إذا تداركنا هذا الوضع الشائه، وإلا إذا أدرك القائمون على الثقافة فى مصر خطورة هذا الوضع، وهذا التوجه، هناك أيضًا عيب آخر كبير فى السياسة الثقافية الموجه للأطفال فى مصر: هناك انفصال تام بين الثقافة الوطنية والفن الوطني، وبين الحداثة، وكان هذه الثقافة، ثقافة متحفية، أو فى أحسن الأحوال ثقافة سياحية.

مقومات الجائزة 

خلال الأعوام الماضية حدثت واقعة مفيدة، ومضيئة ومرشدة، نحو الطريق إلى العالمية، وقد قدمت دار الشروق، هى دار مصرية، كتابًا لمسابقة عالمية، هى مسابقة معرض «بولونيا» لكتب الأطفال، وهو أكبر وأول معرض لكتب الأطفال فى العالم، وفاز هذا الكتاب بالجائزة، وجاء فى حيثيات منح الجائزة، والفوز كلام يُنبت أن المحلية الصادقة والمتطورة هى الطريق إلى العالمية، هذا الكتاب من رسومي، واتبعت فيه أسلوبا شرقيًا، لا علاقة له من قريب أو بعيد، برسوم كتب الأطفال الغربية المحيطة بنا، وكان علينا – للآسف– أن ننتظر حتى يشهد العالم لنا، كى نقتنع بقيمة فنوننا هذا نموذج صغير للطريق إلى العالمية.