القاص «محمد البرمى»: قيمة العمل الأدبى تفرض نفسها بعيدًاً عن معيار الجوائز

رانيا هلال
عندما تؤجج مجريات الأحداث العالمية مشاعرنا وأفكارنا وتحرك مخاوفنا، نرى بعين الإبداع ما لا يمكن أن نترجمه إلا فى آلام مكتوبة تعبر الحروف والحبر لتصل مباشرة للقلب، هكذا يرى البعض ما تخطه أنامله مثل الكاتب محمد البرمى الذى صدرت له أول مجموعاته القصصية «للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق».. عن تلك الرؤية دار الحوار معه فإلى نصه.
■ لماذا اخترت هذا العنوان وعما يعبر؟
- يعبر عنا جميعا الحياة من حولنا فيها محبون، وأوغاد، وقطاع طرق، البعض يمكن أن يربطها بالطيب والشرس والقبيح، لكننى مصمم على تقسيم الناس إلى محبين وأوغاد وقطاع طرق، وكل علاقة نمر بها فى حياتنا أيا كانت نخرج ما يليها يكون بين أحد الثلاثة إما محبا أو غادرا أو قاطع طريق لا يوجد وصف رابع للبشر فى رأيي.
■ ماذا تناولت فى موضوعات القصص؟
- الحياة اليومية بكل تشابكاتها العلاقات الإنسانية، والعاطفية، والجنسية، الحاجة للحب للأصدقاء، العزلة والرغبة الملحة فى الوحدة، مشاهد بسيطة من علاقات إنسانية يمكن للبعض أن يراها عادية لكنها فى حقيقة الأمر تؤثر بشكل كبير على مسيرة الأشخاص، جربت ايضًا صوت المرأة أن أروى عنها وأتحدث عن الحياة والحب والرغبة فى الارتباط والخوف منه بسبب ما فعلته تجارب رجال سابقة، عن ما فعلته الكورونا بنا.
أنا مهتم دائمًا بإبراز المشاعر الإنسانية أكثر من تفاصيل الحكاية فأنا لا أحكى حدوته وتفاصيل العالم الخارجى أنا مهتم بمشاعرنا أكثر تناقضاتها والألم الذى نشعر به والخيبات التى نمر بها أحب أن أصنع من المشاعر حول واقعة معينه أو قصة معين عالم قصصي، أكتب أيضًا بمشاعرى كل أبطال المجموعة أشخاص حقيقيين وقصص حقيقية رأيتها فى العالم الذى أعيشه وكان لدى إصرار على نقله بكل تفاصيله.
■ ما هى ظروف كتابة المجموعة؟
- ليست هناك ظروف خاصة لكن يمكن أن أجيب على سؤال لماذا انتهيت من المجموعة هو سؤال أكثر واقعية بالنسبة لى للأسباب التالية، أخذت وقتا طويلا لأحدد ما الذى أريد شكل الكتابة وطريقة السرد، وشكل القصة والعالم الذى أريده كل ذلك أخذ منى وقتا، أنا أكتب بمشاعرى ما أحسه وأريده أن يصل أتعامل مع الكتابة بمحبة خالصة لا أريد منها أى شيء سوى أن أكون راضيًا فهى العالم الوحيد الذى يشعرنى بأننى ما زلت حيا، وما زلت أنا، ربما ذلك يعرضنى لانتقاد بعض الوقت لكن هذا الأسلوب هو الذى ارتضيته لنفسى ومن حق القارئ أن يقبل أو يرفض.
فى منتصف العام الماضى 2020 كانت الكورونا فى أوج رعبها وكنت خارج مصر، أصبت بالكرونا وهو سر أقوله للمرة الأولى لا أصدقائى عرفوا ولا أسرتى ولا أى أحد لحسن الحظ كان هناك حظر أسبوعين يفرض على القادمين من السفر على سلطنة عمان اكتشفت لكن الأعراض كانت طفيفة المرعب كان الإحساس الذى راودنى أن أموت بعيدًا عن وطني، ألا أرى ابنتى وأحبتى مرة أخرى عانيت نفسيا وعندما عدت للعمل وانتهى كل شيء لم أذكر ذلك لأى حد.
هذه الظروف دفعتنى للإسراع فى الخروج بالمجموعة أتذكر أننى وقتها كتبت إهداء يقول :«إلى داليدا.. لأننى أحب اقتفاء أثر من أحب.. ولأنك تشبهيننى وددت أن أقصر عليك الطريق.. أنا هنا ستجديننى دائمًا بين المحبين وبدرجة أقل قد تجديننى وغدًا لكن أباكى لم يكن يومًا قاطع طريق»، ثم بعدما انتهى كل شيء وعدت للقاهرة من جديد وتغيرت الظروف أثرت ألا أكتبه وربما أن الأوان لأكشف بعض مما عشت.
■ ماذا عن خططك المستقبلية فى الكتابة؟
- حتى الآن ما زلت أفاضل بين الاستمرار فى كتابة مجموعتى القصصية الثانية فبالفعل الفكرة قائمة، وكتبت بعض القصص بالفعل، إضافة للتفكير فى كتابة رواية ما تزال تراودنى فكرة وتلح بشدة لكتابتها، حاولت البدء بالفعل فيها لكن عموما توقفت عن كلا المشروعين بسبب الانشغال بالعمل، والضغوط اليومية، كما أننى عانيت من الإحباط فترة نتيجة الضغوط، أو ربما ما يمكن أن يقال عليه بالإنجليزية writer block الخواء ما بعد الكتابة لا أعرف على وجه التحديد لكن بعد الانتهاء من المجموعة ومع الانشغال بضغوط العمل ومهامه لم أكمل أى من المشروعين وربما أحتاج للاستقرار على ما أريد كتابته الفترة القادمة، أو أن الفكرة ستكتب نفسها بالفعل.
■ كيف ترى واقع القصة القصيرة عربيا ومحليا؟
- أعتقد أن الفترة الأخيرة قرأت عددا كبيرا من القصص القصيرة لكتاب مختلفين سواء داخل مصر أو خارجها، هناك شجاعة على التجريب بعض الكتاب الكبار ممن عزفوا عن كتابة القصة القصيرة جربوا أخيرًا أن يطرحوا تجارب جديدة لهم، لكن أعتقد أن دور النشر بشكل عام تساهم فى تراجع نوع من الإصدارات على الأخر فهناك تحيز كبير للرواية، نادرًا ما تتشجع دار نشر لطباعة مجموعة قصصية عكس الرواية وبالتالى أثر ذلك على تنوع المحتوى الأدبي.
فى الفترة الأخيرة حدث العكس رأينا إصدارات سيرة ذاتية وأدب رحلات، وقصص قصيرة صحيح ليست بكثافة لكن هناك بادرة أمل أن يعود ذلك الفن للواجهة بقوة.
■ كيف ترى الجوائز الادبية وأثرها على الواقع الثقافى والمبدعين؟
- لو السؤال موجه لى كقارئ بالتأكيد لدى الإجابة لكن ككاتب أعتقد من المبكر جدا الحديث عن ذلك لذا افضل الإجابة بصيغتى الأولى كقارئ، لم تغرينى كتب البيست سيلر أو الجوائز أبدًا ولم أشترى كتابا لأنه دخل قائمة البيست سيلر أو حصل على جائزة، يهمنى بالأساس جودة العمل الأدبى وأن يكون من نوعية الكتابة التى أحب، وأعتقد أن قيمة العمل الأدبى تفرض نفسها بعيدا عن الجوائز.
بالتأكيد الجوائز أصبحت مهمة ولها تأثير فى توجه قطاع كبير جدا من القراء لكنها بالنسبة لى ليست مقياسا على جودة العمل الأدبي.
■ وماذا عن طموحاتك الادبية مستقبلا؟
- لا طموح أكثر من أن أظل أكتب، الكتابة هى الفعل الوحيد الذى يجعلنى أشعر بالسعادة لدى أفكار أخرجها على الورق، أتمنى أن أستمر فى ذلك وأتعلم أكثر ويكون لدى تجربتى الخاصة، وليس لدى أطماع فى الكتابة أكثر من ذلك أن أظل أفعل الشيء الذى أحبه.
■ ما الموضوعات التى أثرتها من خلال المجموعة وما المحرك أو الملهم لك؟
- كل تفصيلة فى الحياة صالحة لتتحول لقصة قصيرة، المشاعر الإنسانية، الحب الفقد، الموت، كل شيء من حولنا يصلح مشهد بسيط ربما تصادفه فى الشارع قد يحرك داخلك شيء للكتابة عنه كل الأحداث من حولى كانت مؤثرة تجاربى الشخصية تجارب المقربين بعض الحكايات التى سمعت عنها أحداث رأيتها بعيني، أستطيع القول أن 100% من المجموعة لأشخاص حقيقيين كل ما فعلته أننى حولت تجاربهم لقصص، حاولت التعبير عن كل المشاعر التى ربما فى اللحظة التى وقع فيها حدث ما شعروا بها.
■ كيف ساهمت نشأتك فى تحريك الحس الابداعى داخلك؟
- أبناء الريف لديهم دائما فرصة ذهبية آلاف القصص والحكايات، من الأجداد والعالم المحيط بك عالم القرية ثم المركز ثم المحافظة ثم الانتقال للقاهرة كل منهم تجربة وكل تجربة فيها تفاصيل كثيرة تمنحك فرصة للكتابة كما أن نظرتنا للحياة تظل مختلفة بطبيعة أماكن التربية والتنشئة وفترات طويلة من عمرنا عشنا بها فى القرية أنت تعرف كل الناس آلاف البيوت والحكايات فى المدينة يظل عالم الشخص هو المساحة التى يتحرك فيها بيته أماكن عمله وأماكن زيارته عالم أضيق مقارنة بالقرية وتجربة الانتقال للقاهرة والعيش فيها والعمل فى مهنة صعبة كالصحافة.