الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الفتوى والدعوة

الفتوى والدعوة

الدعوة إلى الله (عز وجل) يجب أن تكون كما أمرنا سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وهى علم وفن يحتاج إلى مهارات خاصة. فالدعوة إلى الله (عز وجل) يجب أن تكون عن علم ووعى وفهم وبصيرة  وإدراك، لا عن جهل ولا هوى. 



ودور  العلماء هو البلاغ لا الهداية ولا الحساب، فالهداية والحساب أمرهما  إلى الله وحده وبيده وحده. وتحقيقا لهذا الفهم جعلنا قضية بناء الوعى المستنير وبناء الشخصية والتكوين  العلمى والمهارى  للأئمة والواعظات وتكثيف برامج التدريب والتأهيل والتثقيف أولى أولوياتنا فى معركة الوعى ومكافحة التطرّف والإرهاب من جهة ومواجهة الجمود والتحجر الفكرى من جهة أخرى، وجعلنا من قضية فهم المقاصد وفقهها أولوية فكرية وبحثية، وعملنا على الاستفادة من التنوع الثقافى من خلال بروتوكولات التعاون والعمل المشترك مع الجامعات المصرية والمؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية.

 وننطلق فى منهجنا الدعوى من ثوابت راسخة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم): «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»، والبصيرة تعنى العلم والدراية والرؤية والبينة، وقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من التجرؤ على الفتوى أو على القول فى دين الله (عز وجل) بغير علم ولا بينة ولا بصيرة، فقال لمن أفتوا للرجل بدون علم فاغتسل على جرحه فمات:  «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جَرْحِهِ ثُمَّ يَمْسَح عَلَيْهِ وَيَغْسِل سَائِرَ جَسَدِه». ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا». 

وكان أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم) يسألون فيحيل الواحد منهم إلى الذى يليه، حتى يرجع السؤال للأول مرة ثانية، إذ كانوا يستشعرون عظم أمر الفتوى. فشأن الإفتاء عظيم وأمره جلل إذ ينبغى للمفتى أن يكون عالما بكتاب الله (عز وجل) وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وأن يكون عارفًا بمسائل الإجماع، عالمًا بلسان العرب، عالمًا بعلم أصول الفقه، عارفًا بالناسخ والمنسوخ، وفقه الأولويات، وفقه الواقع وأحوال الناس وأعرافهم.

أما فى مجال الدعوة فإن البصيرة تقتضى الحكمة والموعظة الحسنة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». وهو ما علمنا إياه نبينا (صلى الله عليه وسلم) فى دعوته التطبيقية، فعن معاوية بن الحكم السلمى قال  بيْنَما أنَا أُصَلِّى مع رَسولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ)، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِى القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى لَكِنِّى سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبِأَبِى هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِى ولَا ضَرَبَنِى ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ».