السبت 9 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
خرجت ولم تعد.. الكوميديا

خرجت ولم تعد.. الكوميديا

لست أدرى لماذا تذكرت وأنا جالسة أمام شاشة التليفزيون فى ليلة من ليالى شهر رمضان الذى غادرنا توًا؛ بيتًا من الشعر الذى الذى أنشده الشاعر«أبو فراس الحمداني» وهو ابن عم «سيف الدولة الحمداني» أمير حلب فى عصر الدولة العباسية؛ إذ يقول فيه: 



سيذكُرنى قومى إذا جدّ جدَّهمُ ** وفى الليلة الظلمَاء يُفتقد البَـدْرُ!  

وموضوعى لاعلاقة له بـ «سيف الدولة ولا بإمارته الحلبية ولا بالدولة العباسية؛ ولكن علاقتى ترتبط بروعة بيت الشعر الذى أنشده «أبو فراس» : «وفى الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ»! وهذا «البدر» الذى افتقدناه هذا العام فى زحام الدراما والمسلسلات التلفزيونية والإعلانات الغريبة والعجيبة؛ هو«الكوميديا» الراقية المتصلة بكوميديا الموقف؛ لا كوميديا السخرية السطحية المفتعلة التى تحتاج ـ لامؤاخذة ـ  إلى «طقم زغزغة» لكل مواطن ـ لعل وعسى ـ قد يجلب له الابتسامة أو الضحكة وسط تيارات هموم الحياة ! ولكن للأسف لم يفتح ـ حتى ـ شبح الابتسامة أو الضحكة طريقًا إلى شفاهنا ونفوسنا التوَّاقة إلى دفء هذا الإحساس الصادق فى خلايا أرواحنا.

وبرغم أننا «شعب ابن نُكتة» ـ  كما يقولون ـ فلم يستطع كُتَّاب هذا الهزل والهراء بكاميرا أقلامهم؛ أن يلتقطوا العديد من الصور الكوميدية ـ الإيجابية والسلببية ـ التى تزخر بها مجتمعاتنا؛ لتصبح مادة ممتازة للكتابة الجادة الهادفة؛ لنرى مزايا أو عيوب أنفسنا على الشاشة الفضية أو السينمائية أو المادة المسموعة فى الإذاعة؛ لنقتدى بالإيجابى ونتفادى السلبي، وهذا مايجب أن يكون من صميم أهداف صانعى البهجة والفرح فى مجتمعنا المصرى والعربى . 

ولهذا.. وعندما يُفتقد «البدرُ»؛ نجد أنفسنا نغرق فى تداعيات واستدعاء لذكريات زمن ملوك الكوميديا فى المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة؛ ابتداء من نجيب الريحانى وعادل خيرى ومارى منيب وشرفنطح وعبد الفتاح القصرى وعلى الكسار واسماعيل يس ومحمود شكوكو  ورياض القصبجى وعبد السلام النابلسى وعبد المنعم مدبولى وعبد المنعم ابراهيم وفؤاد المهندس وشويكار وأمين الهنيدى وسميرغانم وجورج سيدهم والضيف احمد ومحمد عوض_ رحمة الله عليهم جميعا _ وعادل إمام ومحمد صبحى وغيرهم  ، بالإضافة إلى روعة فوازير رمضان خفيفة الظل  نيللى أوشريهان مع المخرج الراحل فهمى عبد الحميد ... إلخ ،هذه القائمة الرائعة من رواد فن الكوميديا التى لاتعتمد على مجرد السخرية المقيتة من أصحاب القدرات الخاصة؛ بل تعتمد على المفارقات غير المفتعلة أو المصنوعة عن طريق «لَـيْ» عنق اللسان فى اللغة واستخدام تضاريس الجسد فى محاولات يائسة لجلب مايشبه الضحك !

 والحق يُقال.. إننا لم نضحك أبدًا (من) أعمالهم «الكوميهزلية»؛ ولكن ضحكنا بمرارة العلقم (على) أعمالهم وإسفافهم الذى قام بتشويه التراث الكوميدي؛ بإعادة التقليد الفج واستخدام ألحان بعض الأغانى العظيمة التى عاشت فى صميم وجداننا؛ بتحويلها إلى مسخ مشوَّه بكلماتٍ تحاول جلب الابتسامة والضحكة؛ ولكن هيهات .. فلم نستمتع بالجديد ولا تركونا نعيش فى أجواء القديم وذكرياته وتم تشويش أذهاننا على الجميع؛ فلا نعِمْنَا ببلوغنا حلاوة «بلح الشام» ولا أدركنا حُصْرم «عنب اليمن «، ولا يتبقى لنا إلا المقولة التى أثبتت صحتها إن :» شر البليَّة.. مايُضحك»؛ ولكنه ضحكٌ كالبكاء؛ كما قال الشاعر أبوالطيب المتنبى من ألف سنة !

لقد أضحكنا «شارلى شابلن» حتى استلقينا على أقفيتنا فى شخصياته الشهيرة التى لعب أدوارها على الشاشة مثل: «المتشرد، الصعلوك أو المتسَكِّع» برغم عدم نطقه بكلمةٍ واحدة أيام السينما الصامتة، ولكننا عشنا معه بكل جوارحنا ومشاعرنا الفياضة إلى يومنا هذا.

 فهل نضُب معين أقلام الأدباء والكتَّاب الذين يجب أن يغترفوا فنونهم من بئرأدب الكوميديا العميق؟! وبالطبع عجز المخرجون عن أن يصنعوا «من الفسيخ.. شربات»؛ لماذا؟

 لأن «القُماشة» المهترئة باهتة الألوان لن تُعطينا ـ أبدًا ـ  ثوبًا قشيبًا!

افتحوا الأبواب والنوافذ لإبداعات كتابات الأدباء الشبان للدخول إلى ساحة الإذاعة والتليفزيون والسينما؛ بدلاًمن الأسماء التى أكل عليها الدهر.. وشرب ! ربما نكتشف«بديع خيري» جديد، أو نسخة حديثة من جهابذة كتَّاب الكوميديا العظماء أمثال: أبو السعود الإبيارى ومحمود السعدنى ومحمد عفيفى ولينين الرملى وغيرهم.

لاتستهينوا بالمبدعين فى كتابة الكوميديا؛ أو وضعهم فى خانة وفئة كتَّاب الدرجة الثانية أو الثالثة والبخس من مقدارهم وأجورهم، فتفجير قنبلة عنقودية حارقة أسهل كثيرًا من تفجير ضحكة صافية صادقة  صادرة من الأعماق؛ ولا تكونوا كـ«والد العروس» عندما قام بسؤال «العريس» المتقدم للزواج من ابنته عن مهنته؛ ورفض أن يبارك إتمام تلك الزيجة؛ عندما علم أنه «طبيب أطفال» قائلا ً له: إذهب يابُنى لاستكمال تعليمك أولاً؟! إنها كوميديا الكوميديا لو تعلمون!

إن مصر المعطاءة غنية دائمًا بمفكريها فى هذا المجال، فقط  فتشوا وابحثوا عن مبدعى الكوميديا التى خرجت ولم تعد فى مدنها وقراها ونجوعها وكفورها عن تلك المواهب التى لم تحظ سوى بالتهميش والتطنيش؛ وإغلاق الأبواب والسجلاَّت على بضع أسماءٍ بعينها، اعلنوا عن عقد مسابقات بجوائز محترمة يقوم بالتحكيم فيها لجان من عناصر النخبة المصرية من الأدباء والفنانين فى مجالات الفنون الإبداعية كافة.

وبالتأكيد.. ستحلَّق العائلة بكل أطيافها حول شاشة التليفزيون؛ وسيخرج الجميع فى سهراتٍ جميلة إلى المسرح والسينما، فالبحث عن صفاء الضحك والابتسامة سنجده حتمًا؛ حتى  لوجاءت بالجلوس مع الأطفال على دكة «صندوق الدنيا»!.