الجمعة 15 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
هل هناك ما يسمى بخليفة المسلمين؟!

هل هناك ما يسمى بخليفة المسلمين؟!

معظم علماء الاجتماع والمفكرين كانت لديهم قناعة لا تقبل الشك بضرورة فصل الدين عن الدولة وعدم هيمنة أحدهما على الآخر لأنه فى واقع الأمر وعمليا لا يوجد مايسمى بالدولة الدينية، حتى فى صدر الإسلام وفى وجود وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنذ قرون مضت وحتى يومنا هذا لا تزال قضية الدولة الدينية أو سيطرة الدين على الدولة قائمة ويثور دائما  الجدل طويلا حول هذه الإشكالية، ولكن لماذا لم يكن مقبولا قيام الدولة الدينية أو القبول بسيطرة الدين على الدولة؟ 



الإجابة ببساطة أن السياسة لعبة قذرة وأدواتها تحمل فكرة القيام بأعمال قذرة أو أعمال لا أخلاقية ورغم ذلك يرى ميكافيللى مثلا أنه لا ضير من وضع الدين تحت سيطرة الدولة حتى لا يطغى الدين على الدولة. 

أما المفكر والفيلسوف الفرنسى الجنسية والذى عاصر سقوط الملك لويس السادس عشر وقيام الثورة الفرنسية «مونتسيكيو» فيرى أن الدين يخدم فكرة الحفاظ على الاستقرار الاجتماعى من خلال مساندته إطاعة الحاكم ونبذ فكرة الاستقلال ويرى أنه يفضل أن يكون وثنيا على أن يكون ملحدا حيث العقيدة الدينية السيئة أفضل من عدم وجود عقيدة وأن الدين يؤدى  بالضرورة إلى الاستقرار الاجتماعى…

أما على الصعيد الإسلامى العربى فإن طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة كان من الإشكاليات الصعبة جدا فيما يخص الفكر السياسى ذلك أن المستقر فى تصورات الإسلاميين اعتبار أن السياسة جزء من الدين وأن الإسلام دين ودولة بينما يرى العلمانيون ضرورة فصل الدين عن الدولة، ولذا فإنه فى التاريخ الإسلامى بدأ الصراع والصدام بين الدين والسياسة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدء عصر الخلفاء أى منذ أن بدأت الدولة تأخذ شكلها بجهازيها الإدارى والسياسى المنظم، ومن يتعمق  فى تاريخ الفكر السياسى الإسلامى خاصة فى جزئية العلاقة بين الدين والدولة قد يكتشف أن هذه الجزئية قد تكون نسبية!

عام 1925 نشر الشيخ والعالم الأزهرى على عبدالرازق كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم» حيث ذهب فى كتابه إلى أن الخلافة ليست من الدين وأنها لم تكن ذات يوم واجبا شرعيا وإنما هى من تاريخ المسلمين وعليه فإنهم ليسوا ملزمين بالتقيد بها وبإمكانهم تعويضها بنظم الحكم وأشكاله التى أنتجتها العقول البشرية وأثبتت التجارب أنها خير من أصول الحكم. وفى فصل آخر يؤكد عبدالرازق على أنه لو كانت الخلافة من أصول الحكم لما اختلف عليها القوم ولما ترك النبى محمد عليه الصلاة والسلام المسلمين فى حيرة من أمرها وبالتالى حدوث الخلاف والاختلاف. 

كانت مشكلة المسلمين فى هذه المسألة تحديدا إذا بعد وفاة سيدنا محمد أنهم أغلقوا الباب أمام دراسة علم السياسة والاجتهاد فى أمور الحكم، وبالتالى ظل الفكر السياسى لدى المسلمين  حبيس القيم والمبادئ والحقوق التى اكتشفتها الخلافة وتطورت مع الزمن حتى غدت حقائق ثابتة فى عقول المسلمين ومن ثناياها نبتت الفكرة الشائعة بأن الإسلام هو دين ودولة وأصبحت فكرة دمج السلطتين الزمنية والدينية وكأنها من حقائق الإسلام الثابتة وانطوى الفكر السياسى على هذه الفكرة لا يتحول عنها عازفا عن البحث فيها أو استقراء حقيقتها وبالتالى أصبحت الخلافة الإسلامية من حقائق الإسلام الكبرى. 

والمثير أن الخلافة قد بدأت فى قريش وبالتالى انحصرت فى صحابة النبى أو الذين عاصروه من القادة والزعماء القريشيين الناطقين باللغة العربية ودلت الأحاديث الواردة فى الخلافة أن الخلافة فى قريش وأنها استمرت بعد رسول الإسلام لفترة 30 عاما وهى فترة حكم الخلفاء الأربعة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، ثم تحولت لملك عضوض وهى فترة تعاقب الدول الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية وغيرها، ثم ستصبح حكما جبريا بمرور الزمن حتى وصلت إلى العثمانيين قبل أن يلغيها مصطفى كمال أتاتورك عام 1924.

ورغم ذلك لا يزال يظهر بين الفينة والأخرى من يطلق على نفسه خليفة المسلمين كما يحدث الآن فى تركيا.