السبت 1 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 57

لغة الجينات 57

الأيام دى بنعيش مفارقة غريبة جدًا، فى الظاهر لابسين «قناع» افتراضى بنحمى به نفسنا.. وفى الباطن كل يوم بيسقط قناع حقيقى زائف.. قناع لم نكن نراه بعيوننا، فقط نشعر بوجوده.. يسقط القناع عن وجوه أصحاب الجينات الخبيثة فتتكشف لنا ولهم أمور لا يصدقها أحد.



فى الظاهر سقوط  الأقنعة يكشف لأصحابها  قبل أى أحد، كم الزيف والمغالطات والأكاذيب والوهم الذى عاشوا فيه.. يكشف لهم خداعهم حتى لأنفسهم بأنهم امتلكوا الدنيا.. أن العالم عند أطراف أصابعهم.. أن الأرض والسماء ومقادير الناس دانت لهم .

وفى الباطن يكشف لنا سقوط أقنعة أصحاب الجينات الخبيثة، كم كانوا نمورا من ورق، أجساد بلا روح، بحور بلا شطآن، يكشف لنا زيف الوفر والقوة... إغراء اليسر.. أنهم امتلكوا المنع والمنح.. فتبدو لنا من نظرات عيونهم، شخصياتهم الهشة الضعيفة التائهة العاجزة، تتعرى عوراتهم  بيسر لا يصدق، ثم تسقط  نهائيا آخر أوراق التوت عنهم .

«الكشف» وسقوط الأقنعة سيطال الجميع لا محالة، لن ينجو منه إلا أصحاب الجينات الأصلية.. والقدر سيرتب الأمور للكشف عن الوجوه الزائفة بطريقة مذهلة، مثلا دكتور فى كلية ما، يتم تهنئته بالترقية فى بوست تقليدى على موقع الجامعة، يدخل الآلاف من الطلبة الحاليين والسابقين ممن تعاملوا معه ليشكفوا زيفه ويسقطوا عنه القناع ولدرجة أن الجامعة تحيله للتحقيق وتعتذر.

«هبة سليم وفاروق الفقى» اثنان من أصحاب الجينات الخبيثة.. عاشا فى الظاهر بقناع لطيف ودود.. بنت جميلة راقية عايشة فى المهندسين وعضو فى نادى الجزيرة الكل بيسعى للاقتراب منها ،وهو شاب فى مستقبل حياته.. البدلة العسكرية ووضعه الاجتماعى.. يجبر الجميع على احترامه.

وفى الباطن الاثنان وبالقناع الزائف خدعا به أنفسهما ومن حولهما لفترة طويلة.. حتى جاء وقت سقوط القناع فكانت النهاية. 

«قناع مثير وغريب» ارتدته هبة سليم وعاشت به الوهم الكبير، إسرائيل دولة عظمى لا تقهر والعرب غوغاء وكسالى والهزيمة ستكون نصيبهم طول العمر.. وهم دفعها حتى أنها تشتغل لصالح الموساد بلا مقابل.

«الموساد» لم يأخذ وقتا طويلا فى تجنيدها.. القناع الزائف الذى ارتدته فور وصولها باريس للدراسة كان فرصة ذهبية لتجنيدها... بنت صغيرة عايشة حياتها بالطول والعرض، بتكره العرب بدون سبب بتتقرب لليهود وبتسهر معهم وتحبهم.. حب دفعها فى أول زيارة لها إلى تل أبيب واللى استقبلتها بطائرتين حربيتين فى الجو وهو التقليد المتبع فقط  مع الشخصيات المهمة.. هبة كان طلبها الوحيد عندما سألوها عايزه  إيه.. ردت بدون تفكير أقابل جولدا مائير.. الست اللى أزلت العرب.. كان ده ردها وده التمن اللى طلبته لخيانتها.

«هبة « فى الظاهر باعت نفسها من أجل وهم عشش فى رأسها.. ارتدت قناع البراءة والحب واصطادت به فاروق الفقى الصيد الثمين اللى هيقدم بلا مقابل كل التنازلات من أجل إرضاء الرقيقة الجميلة التى هام بها حبا وظلت تهرب منه وتصده  طوال عمرها.. وفى الباطن استسهلت  بيع الوطن والناس وسحبت كل اللى فى طريقها إلى الخيانة.

«فاروق» فى الظاهر عاشق ولهان.. منصبه الكبير واطلاعه على الأسرار ساعده فى تقديم فروض الولاء والطاعة والاستسلام  لحبيبته.. وفى الباطن جينات الخيانة جزء أصيل من تكوينه وشخصيته.. فجده الأكبر خان أحمد عرابى والجيش المصرى فى الحرب مع الإنجليز.

« فاروق» فى الظاهر ارتدى قناع الشخص المهم القادر على تحقيق كل أحلام هبة  حتى لو كانت خرائط الصواريخ ومواقعها.. وفى الباطن كان يسير بقدميه نحو الخيانة فكان يحضر لها الخرائط ليتباها أمامها بقدرته ونفوذه يتباها أمامها بمعلوماته العسكرية الدقيقة.. وهى ترسلها فورا إلى الموساد.

«سقوط القناع» عن وجه فاروق البرئ جاء سريعا.. عملية مراقبة الخطابات المتوجهة إلى أوروبا شملت الجميع.. وجملة واحدة كتبها فى خطاب ملتهب ملئ بالأشواق للحبيبة فى باريس، التقطتها عين مدربة وخبيرة وشكت فيه... وقتها كان الجميع فى الظاهر والباطن يخضع لمراقبة دقيقة فالمعلومات التى يحصل عليها الموساد فى منتهى الدقة والأهمية ولا يعلمها إلا كبار القادة.

فى الظاهر كتب فاروق خطابا ملتهبا بالمشاعر إلى هبة سليم وفيه أخبرها أنه قام بتركيب إريال جديد للراديو ليستمع إلى الأغانى التى تذكره بها بشكل أفضل.. وفى الباطن وبالحبر السرى كتب كل المعلومات العسكرية التى يطلع عليها بحكم منصبه كمدير مكتب لأحد القادة. 

«سقط القناع» بجملة واحدة.. لماذا وضع فاروق «إريال للراديو» فى وقت القاهرة كلها كانت تتخلص من إريال الراديو لأنه أصبح بلا قيمة فالموجات تمت تقويتها وتعمل بشكل رائع؟ كان هذا هو السؤال الذى برق فى رأس ضابط المخابرات.. لمعت عيناه وشعر أنه وضع يديه على الصيد الثمين الذى يمد الموساد بكل شىء.

«سقط قناع الفقى» وتم القبض عليه.. وفى الظاهر ظل قائده الكبير لا يصدق.. كان لا يزال مخدوعًا فى قناع البراءة والوطنية والاحترام الذى يرتديه الخائن... ولدرجة أنه قال لو فاروق خاين هقدم استقالتى.!

سقط القناع واعترف الخائن بكل شىء واستقال القائد الكبير فى الظاهر.. وفى الباطن لم يوافق على العودة إلا بعد السماح له بتنفيذ حكم الإعدام فى الخائن بنفسه.

ألم أقل لكم إن الكشف وسقوط الأقنعة قادم لا محالة.. ألم أقل لكم إن وهم التجبر والتكبر قد ينكشف فى لحظة وعلى أبسط وأتفه سبب.

ألم أقل لكم إن  القناع لا بد أن يسقط عن الوجوه الغادرة.. ويكشف المسخ  الذى يدعى فى الظاهر، الوقار والوفاء والصدق وفى الباطن هو النموذج للشر يكبر ويترعرع على فضلات النميمة والفساد.