السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
شاكر المعداوى.. وخربشاته على جدران بيوت القرية!

شاكر المعداوى.. وخربشاته على جدران بيوت القرية!

نشأ الفنان شاكر المعداوى فى قرية (معدية مهدي) التابعة لمركز مطوبس محافظة كفر الشيخ، تلك القرية الهادئة النائية على شاطئ النيل الذى يمر بها متجهًا إلى رشيد، حيث الصيادون بقواربهم الصغيرة وشباكهم يجوبون النهر، ومناظر الأسماك بلونها الفضى تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية، وهكذا كان المعداوى يخرج فى العطلات الصيفية إلى شاطئ النيل هو وأصدقاؤه، بسنانيرهم المصنوعة من نبات الغاب قبيل طلوع الشمس، ويرجعون بصيدهم المتنوع من الأسماك الصغيرة الطازجة مع دخول (المغربية)، ولأنهم يحبون ثمار التوت والتين، فقد كانوا يجيدون تسلق أشجار الجميز والتوت بأنواعه المختلفة، وكثيرًا ما تركوا أحذيتهم أسفل الشجرة، ونزلوا ولم يجدوها، هكذا، عاش المعداوى طفولته بشقاوتها وألعابها المختلفة مثل: كرة القدم، ونط الحبل، والحجلة، والاستغماية.. إلخ.



وكان يبهره مناظر الفلاحين وهم يعملون فى الحقول الخضراء الشاسعة: يحصدون القمح أو يجنون القطن، وكم سحرته زقزقات العصافير فى السماء الصافية عند العصاري، والزهور الملونة فى الحدائق وروائح زهور البرتقال واليوسفى والجوافة الآتية من الحدائق القريبة من القرية، وماذا أيضًا فى جعبة الفنان شاكر المعداوي.

شكرًا.. يا عمى

الذى شكل حياتى ووجهنى منذ صغرى هو عمى الناقد الكبير أنور المعداوي، الذى كان يأتى إلى القرية فى الإجازات الصيفية، فيلتف حوله جميع رجال القرية فى الأمسيات الجميلة، ليحلو معه السمر والسهر، وهو يحكى لهم نوادر وحكايات تبهر أهل قريتنا البسطاء، وكان لعمى الفضل فى توجيهى إلى طريق الفن، فدائمًا كان يشيد بما أرسم، ولم يبخل على بملاحظاته حتى أن أصبح عندى أسلوبى الخاص فى الرسم..! 

احكى لنا يا ست الحبايب..! 

تأثرت بوالدى المدرس بالتربية والتعليم فى كل شيء، وقد ترك لنا حرية اختيار حياتنا أنا وأخوتي، وما عليه إلا الملاحظة والمتابعة من بعيد، أما والدتى وهى شخصية قيادية، وحكاءة من الطراز الأول، فقد كانت تجمع كل نساء العائلة فى الأمسيات وتقرأ لهم الحكايات من الكتب الشعبية مثل قصة (سيف اليزن، وعنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي) والكثير والكثير من الحكايات والحواديت، وهى تبدأ يومها بقراءة القرآن الكريم بصوتها العذب فى الصباح الباكر وظلت على هذا الحال إلى أن رحلت عن دنيانا لتبقى ذكراها العطرة نبراسا نهتدى به فى مسيرة حياتنا.

من الأخضر.. إلى الأسود! 

وأنا ابن العشر سنوات انتقلت مع الأسرة إلى مدينة رشيد حيث عمل والدي، وتأثرت بمنظر النيل والنخيل الكثير المزروع حوله وفى مساحات شاسعة، ولاحظت ثمرة البلح وهى يتغير لونها من الأخضر إلى الأصفر أو الأحمر، ثم إلى الأسود، وهكذا عشقت الطبيعة الخلابة، فأردت أن أرسمها، وبدأ الرسم عندى بخربشات على جدران بيوت القرية، ثم تطور إلى رسوم البيئة المحيطة حولي.

من ينسى أساتذته؟ 

بعد ذلك انتقلت إلى مدينة السحر والجمال الإسكندرية (حى محرم بك) وتعلمت فى مدرسة الصنايع (بالشاطبي) والتحقت بقسم النحت والزخرفة، لأننى كنت أبحث عن تنمية هوايتي، وهناك قابلت مدرسين عظماء وهم أ/ محمد يوسف، أ/ أمين العطار، عياد رومان، أ/ حامد عويس، وسيف وانلي، وأنا مدين لهم طوال عمري، وكان زميلى فى المدرسة الفنان (عصمت داوستاشي)، ثم دخلنا كلية الفنون الجميلة – قسم التصوير، وبعدها سافرت إلى إيطاليا عاصمة الفن والثقافة فى رحلة دراسية على نفقتى الخاصة، وكنت أوفق بين العمل وممارسة الفن، حتى حصلت على الدبلوم العالى لأكاديمية الفنون الجميلة بروما.. 

غواص وأصيد الودع! 

كان أول تعامل لى مع الكتابة والرسم للأطفال، وأنا مجند بالجيش فى البحر الأحمر، فى فترة ما بين النكسة والعبور، كنت فى جزيرة سفاجة، وكنت أقضى وقت الفراغ فى الغوص تحت الماء، ومراقبة الأحياء المائية والشُعب المرجانية، وصيد الودع، ومن هنا بدأت أرسم الطبيعة من حولي، رسمتها فى قصص، ولم يكن فى ذهنى وقتها أن تكون لمجلة معينة، وعندما عرضتها على د. عبد القادر القط، اقترح على تبسيطها لعدد من الصفحات وطبعها فى كتب، وبالفعل كان أول كتاب للأطفال لي: هو (أميرة البحر الهادئ)، ثم توالت الكتب بعد ذلك فى مركز الأهرام للترجمة والنشر، وهيئة الكتاب، وكتاب قطر الندى (رسومًا) وكنت وما زلت أضع الرسوم فى علاقات جمالية وبعد ذلك أكتب النص، وهذه هى طريقتى فى الكتابة للأطفال.

قريتى أفادتنى 

الإقامة فى قريتى (معدية مهدي) أفادتنى كثيرًا فى نوعية العمل، وأعطتنى الكثير من الوقت والتفكير والتجريب والتأمل من أجل الفن لذاته، وليس للمكسب السريع أو الشهرة السريعة، وبالتالى أعطتنى تجربة مميزة ومختلفة، وكلها تحمل سمات البيئة المصرية الصحيحة، وتحتاج لإمكانيات ومهارات عالية، لا تأتى إلا من التجريب والممارسة المستمرة.