السبت 1 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 58

لغة الجينات 58

«قيمة الإنسان» بيحددها ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته.. ممكن يكون فى الظاهر ومن منظورنا القاصر هذا الإنسان لا يقدم شيئًا عظيمًا.. فلا هو مشهور ولا ثرى ولا فيلسوف ولا يمتلك الحديدة الشهيرة بميكروفون  أو شاشة، يظل من خلالها  يعطينا نصائح لا تثمن ولاتغنى من جوع.. هذا الإنسان فى الباطن بيكون قدر يوصل  للنور والحقائق وجيناته الأصلية رسمت له طريقه من البداية للنهاية فتصالح مع نفسه وامتلك القدرة على التخلص من أهم رذيلتين فى الحياة مصاب بهما أصحاب الجينات الخبيثة.. الأولى  الكذب على النفس، والثانية الحماقة.



«الحماقة» عند أصحاب الجينات الخبيثة عشق.. مزاج.. أسلوب حياة.. فى الظاهر بيتعاملوا على أنهم امتلكوا الحكمة وناصية القول والرأى وبيغزى الإحساس ده عندهم حملة المباخر والأفاقين ومن أدمنوا الكذب حتى على أنفسهم.. وفى الباطن بيكونوا مثل الرجل الذى حمل جمله حملًا ثقيلًا ثم وضع ريشة صغيرة فوق الحمل فانقصم ظهر الجمل فوقف يتعجب أن الريشة التى ليس لها وزن قصمت ظهره .

«الأحمق» فى الظاهر يستخف بالصغائر تكبر فى عينه توافه الأمور ويتمسك بها.. وفى الباطن يفتقد الإحساس وحسن التدبير والتقدير.

«من يكذب على نفسه» فى الظاهر بيمارس خداعًا ذاتيًا وتحايلًا ليعيش.. وفى الباطن بيخدع نفسه ويعيش فى نفق الحسابات المعقدة.. يمارس أقسى أنواع الكذب ؛ يتجرد من إنسانيته، فيتعرض للارتباك وعدم التوزان وللسقوط المتكرر.. لديه شعور دفين بالنقص لا تستطيع أن  تمحوه «أقنعة زائفة» تتبدل باختلاف مصالحه.

«صاحب الجينات الأصلية» بيقدم قيمة للحياة حتى لو استمر فيها 31 عامًا فقط.. سيد درويش فنان الشعب فعل ذلك ببساطة ويسر.. خلد نفسه وتاريخه لدرجة أنهم أطلقوا عليه فنان الشعب.. قدم قيمة للحياة لأنه انحاز للشعب والوطن.

«سيد درويش» فى الظاهر فنان بوهيمى حاول الحمقى طوال الوقت تقديمه للناس فى صورة شاب مدمن مخدرات وبيجرى خلف النساء.. وفى الباطن مناضل من طراز فريد.. حمل روحه على كفه فداء للوطن.. شارك فى ثورة 1919.. وقدم لنا نشيد بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى.

«سيد درويش» فى الظاهر أحد صناع هذه الثورة وصانع أهم أغانيها ومنها «قوم يا مصرى، ويا بلح زغلول»، وفى الباطن جسد كل معانى التعايش معبرا الانصهار بين أبناء الشعب المصرى والشعوب التى انصهرت معه، فصنع الأغانى معبرا عن المصرى والسودانى والإيجريجى «دنجى.. دنجى»، «مخسوبكوا أنداس»، وغنى بلسان الموظف والشيال والصعيدى والفلاح والجرسون الصحفى «شد الحزام على وسطك، يا حلاوة أم إسماعيل، هز الهلال يا سيد، الحلوة دى قامت تعجن، البحر بيضحك ليه، اقرأ يا شيخ فقاعة تلغراف آخر ساعة، آه ده اللى صار».

«درويش» فى الظاهر اتهموه بإدمان الكوكايين، تمهيدا لإطلاق شائعة موته بسبب جرعة مخدر زائدة.. وفى الباطن  كانت هذه هى الطريقة للتخلص من أيقونة ثورة 1919 والذى مات مسموما بزيت الزرنيخ الذى وضعه له الاحتلال الإنجليزى للتخلص منه عقابا على تأجيجه لثورة المصريين بأغنياته... وعندما طلبت أسرته تشريح الجثمان رفض القصر ورفضت السفارة وأصروا على رواية موته بجرعة مخدرات .

«درويش» فى الظاهر واحد ممن ساهموا فى صناعة تاريخ الأغنية السياسية التى وقفت ضد الاحتلال الإنجليزي، ومازالت ترددها الأجيال الحالية.. وفى الباطن عاش 31 عاما فقط فى هذه الحياة، لكنه غير خلالها وجه الموسيقى الشرقية، فعاشت ألحانه لأكثر من قرن من الزمان، لم يغب خلاله اسم العبقرى سيد درويش عن عالم الموسيقى، فهو الأب الشرعى للموسيقى العربية الحديثة التى ولدت من رحم ألحانه وموشحاته ومسرحياته... ونسى الناس كل الحمقى ومن يكذبون على أنفسهم من المطربين الذين عاشوا أيام سيد درويش . 

صاحب «عشان ما نعلى ونعلى ونعلى لازم نطاطى نطاطى نطاطي» فى الظاهر شاب بسيط تمنع الإذاعة أغانيه وفى الباطن السلطة السياسية فى مصر والملك فؤاد الأول، والإنجليز عاملين له ألف حساب وبيترعبوا منه.. لدرجة أن من كان يضبط متلبسا يغنى أحد أعمال سيد درويش يرفد من معهد فؤاد الأول للموسيقى، ومن يغنيها فى مقهى أو ميدان يقبض عليه فورا .

«سيد درويش « فى الظاهر بسيط ومتواضع لأبعد الحدود ،لم يكن متكلفا ولا مغرورا، حتى بعد ما وصل إليه من نجاح وشهرة لم يصل لها أى من أبناء جيله.. وفى الباطن يعيش بفلسفة خاصة.. لا يسعى لجمع المال ولا يتكبر على أحد كل المسارح تقدم أعماله.. وكل المطربين فى المقاهى يغنون أدواره والطقطوقات التى لحنها وهو يقف يبتسم ففى جيبه 3 قروش فقط ويعانى من الفقر والجوع.. لم تهمه الثروة فى شىء.. ولدرجة أنه لم يترك لورثته سوى عوده ورزمة أوراق بها ألحانه.

احذر من الحماقة والحمقى ومن يكذبون على أنفسهم.. واحرص دائما على أن تقدم قيمة حتى لو بسيطة فهذه القيمة هى ما ستضيفه للحياة .

احذر حماقة الغدر والكذب والتلفيق والافتراء على الآخرين، حماقة التطاول والترويج و التصفيق لمن يكذبون على أنفسهم.. . احذر أن  تخاف من إنسان يمرض مثلك ويموت مثلك،

اعمل بنصيحة سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه عندما قال : «الرجال أربعة، رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فذاك عالم فاتبعوه، ورجل يعلم ولا يعلم أنه يعلم فذاك نائم فنبهوه، ورجل لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فذاك أحمق فاجتنبوه».