ما وراء السلوك
خدعة كبيرة أن ننفعل بالسلوك البشرى المباشر ونستفيض فى رد فعلنا السريع والتلقائى عليه وهو الفخ الذى نقع فيه غالبًا و خاصة فى السن الصغيرة... ربما تعطينا السنون بعضا من الخبرة للقيام بأمر فى غاية الأهمية ألا وهو «تحليل» ما وراء السلوك».
هذا التحليل هو الذى يمكننا من القيام برد الفعل المناسب وفى أحوال كثيرة سيوفر علينا الكثير من المعاناة والألم...أتذكر نصيحة رجل حكيم عندما سأل عن رد فعله لأى موقف يتعرض له حيث أشار إلى أنه يتريث دائما ولا يتسرع بالرد أو الإجابة حتى على أبسط الأسئلة فيقول إن أول رد فعل له دائما هو تحليل الموقف أو السؤال وتحليل نتائج ما يقوم به من ردود أفعال ويضع عدة بدائل ثم يختار البديل الأنسب للموقف الذى هو بصدده.
ربما تبدو النصيحة نظرية أو صعبة التطبيق ولكن فى الحقيقة فإن هذه النصيحة هى الاستراتيجية الكبرى وحجر الأساس لدورات التنمية البشرية الخاصة بإدارة الغضب Anger Management.
فبدون تحليل لما وراء السلوك ربما ننجرف إلى التفاعل السطحى مع الحدث ومن ثم يكون رد الفعل أكثر سطحية...الأمثلة على هذا كثيرة ومنها ما نطالعه بصورة شبه يومية على صفحات الجرائد فى باب الحوادث... تأخرت الزوجة فى إعداد طعام الإفطار فخنقها الزوج أو مشادة حدثت بين زبون وصاحب المقهى للخلاف على الحساب مما أدى إلى مقتل أحدهما... إلخ.
تحليل ما وراء السلوك ربما يأتى أحيانا بنتيجة عكسية فقد يبتسم أحدهم فى وجهك ولكن تحليلك لما وراء هذا السلوك قد يثير أعصابك ويدفعك إلى رد فعل عنيف لا يصلح «نظريًا» ليكون رد فعل على الابتسامة الأصلية.
كثيرا ما نرى بعض الأقوال أو الأفعال التى نعتقد أنها عشوائية أو خارجة عن السياق ولكن بالتحليل الأكثر عمقًا أو بجمع المزيد من المعلومات نتعرف على دوافع هذا الفعل وهنا ربما نلتمس الأعذار لصاحب الفعل أو نغير من أسلوب تعاطفنا معه بناء على معرفة السبب الحقيقى لما قام به.
الصوفية يرون أن معرفة ما وراء السلوك أحيانًا كثيرة يكون فتحًا من الله وفيوضات نورانية يلقيها فى قلوب عباده المخلصين وفى جميع الأحوال صدق المثل القائل «إذا عرف السبب بطل العجب».