الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صلاح بيصار.. ورسومه التى تشبه قلوب الصغار!

صلاح بيصار.. ورسومه التى تشبه قلوب الصغار!

جاء الفنان صلاح بيصار من قرية «شنوان» التابعة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، يحمل بين جنبيه قلب طفل، تشكلت حياته بين ضوء القمر والظلمة، وامتلأت بالسحر والدهشة مع قفزات «الأرنب الجبلاوى» ذى العينين الناريتين، ومناظر الخضرة، والعصافير والحمام وأبو قردان، وهدير الساقية والموالد، والأقاويل والخرافات الشعبية، وقد فاز بيصار بالجائزة الشرفية من معرض فرانكفورت الدولى للكتاب عن إخراج وروسوم كتاب «سيد الخلق» الصادر عن دار الشروق والذى ألفته السيدة كريمان حمزة، وأيضًا فاز بجائزة معرض بولونيا الدولى لكتب الأطفال «الأفاق الجديدة» عن كتاب: «محمد فى عشرين قصة» عام 2000، وهيا احك لنا المزيد والمزيد عن طفولتك الرائعة.. 



شنوان.. والجمال الذى كان! 

ولدت فى يناير 1950 فى قرية صغيرة تدعى «شنوان» تابعة لمحافظة المنوفية، تشكلت حياتى بين ضوء النهار والقمر وظلمة الليل، حيث لم تدخل الكهرباء بلدنا وقتها، واستمر ذلك حتى منتصف الستينيات، عشت فى طفولتى على الدهشة التى كانت تغمرنى وأنا أرى الأرنب الجبلاوى ذا العينين الناريتين، الذى كان يراه كل أبناء «الناحية البحرية» حيث يوجد منزلنا، وكان يظهر فى ساعة معينة من الليل، وهكذا ولدت على هذه الأقاويل والخرافات الشعبية فى ذلك الوقت، وكذلك الموالد العديدة التى كانت تنعقد فى موعدها السنوى مثل: مولد سيدى «مزروع»، وسيدى «على أبو النور» وسيدى «سليم» وسيدى «أبوذكرى» فى قرية (ميت مسعود) عند السدة الشتوية، كنت أذهب مع صبايا القرية وبصحبتهن، وهن حاملات أوعية اللبن، تمامًا كحاملات القرابين، يقدمنها تقربًا وتضرعًا لخادم المقام، هناك فى هذه القرية، وعلى صوت المنشدين، وباعة الحلوى الجوالين، والسيرك والمسرح الشعبى (السامر) والمرأة الخارقة، والبقرة ذات الثمانية أرجل والعشرة ضروع، والتنويم المغناطيسي، نشأت على هذه الصور العديدة، والبديعة، والزاخرة بسحر الجمال!

خُفت من الفلقة فهجرت الكُتاب 

ذهبت إلى كُتاب القرية برفقة جدي، ولكن ليوم واحد فقط، لأننى لم أر فيه من بداية دخولى إلا (الفلقة) وهذا المكان الواطئ الموحش، وقد عودنى والدى المدرس بالتعليم على الإكثار من حفظ آيات القرآن الكريم وفى المرحلة الثانوية انتقلت إلى مدرسة المدينة، حيث كنت أذهب وأعود بالقطار، ويا لها من متعة أن ترى من نافذته حركة الحياة بين القرية والمدينة: دوران الساقية، وهدير ماكينات الطحين، ومن قريتى رأسًا انتقلت إلى القاهرة حيث التحقت بكلية الفنون الجميلة، قسم الديكور! 

كل هذه البهجة يا شنوان! 

لا زلت أعشق قريتى الصغيرة الخضراء ولهذا أحاول أن أرسم برائحة زهور البرسيم الصفراء، وأريج نوارات الفول، ورائحة الخبيز التى كانت تطل من أفران الشوارع والحارات والدروب، طفولتى موال أو ملحمة طويلة من البراءة والفطرة وبكارة الأشياء، ما بين صياح الديك قبيل الفجر، ونباح الكلاب فى الأمسيات المظلمة، ومواء القطط وقت الغروب، والفراشات الملونة وأبو الدقيق، والحشرات المرحة (حرامى الحلة، وأبوالعيد) وهو حشرة صغيرة وجميلة ومسالمة تسكن الحقول، وكانت تتألق باللون الأحمر الناري، كانت طفولة بسيطة ومتقشفة لكن مليئة بالمباهج، ومن منا لم يصطد حتى دبور الخشب بلونه الأسود اللامع، والأصفر البهيج وهو يطن ويزن داخل علبة الكبريت أو صندوق صغير، إنه راديو طفل القرية، أليس ذلك مضحكًا وبديعًا؟ فى ذلك الوقت كل شىء فى القرية واضح وصريح: البشر، الطبيعة، اللون الأخضر الطازج بامتداد الحقول، والأصفر والأبيض والأزرق والأحمر فى شتى الصور، ثمار البلح وزهور البرتقال والليمون واللارنج، هذا العالم هو الذى أستمد منه طاقتى الإبداعية، من الأرض والسماء والبشر والحيوانات والدروب فى قريتنا الصغيرة الحبيبة! شكرًا يا جدو كامل! 

الكتاب كان بالنسبة لى هو صندوق الدنيا، وهذا العالم السحرى العجيب. كان الكتاب صديقى من بداية الطفولة متمثلًا فى: كامل كيلانى، وسعيد العريان، محمد أحمد برانق، وكان كيلانى يصحبنا فى رحلة تثقيفية مما قبل المدرسة حتى مطلع الشباب، مائة وخمسون قصة مثل: قصة «أبوخربوش» للأطفال قبل المدرسة، إلى رحلات «جلفر» الأربعة، وحكايات شكسبير، وحكايات ألف ليلة وليلة، مع الحكايات العلمية والفارسية والهندية، وحى بن يقظان، وروبنسون كروزو، كان جدنا كامل يأخذنا من يدنا إلى هذا العالم سنة وراء سنة، ويا له من رائد، ومن هذه القراءات تشكلت طفولتى. 

لهذا أرسم للأطفال! 

أرسم للأطفال لأننى أشعر دائما أن بداخلى طفلًا صغيرًا يمتلك أحاسيس ومشاعر أطفال مصر، وأن هذا الطفل من واجبى أن احترمه، وأحبه، وأجعله يصحبنى وأصحبه، ومن هنا أقدم له ما أستطيع فى إطار إمكانياتى.

حسين بيكار رائد رسوم الأطفال 

تعلمت من أستاذى وأستاذ كل رسامى الأطفال والصحافة الفنان حسين بيكار، وإذا كان كامل كيلانى رائدًا لأدب الأطفال، فحسين بيكار رائد لرسوم الأطفال، رغم أننى لم أعاصر مجلة سندباد... كنت صغيرًا وقتها وقد كانت عملًا عظيمًا بكل المقاييس لما قدمته من إبداعات راقية وثقافة رفيعة للأطفال هذا بالإضافة إلى أننى سأظل أتعلم وأستفيد من كل من جاءوا بعده مثل: اللباد، وحلمى التونى، وحجازى، وإيهاب شاكر، ومصطفى حسين، وبهجت عثمان، وطبعًا صلاح جاهين، وعفوًا إذا كنت نسيت أحدًا، وأستفيد أيضًا من أبناء جيلى والأجيال الجديدة فنحن نعيش جزءًا من ثقافتنا من خلال التنوع وتعدد الأساليب واختلاف الرؤى! 

رسومى تزين حوائط المدرسة

كأى طفل حصلت على جوائز فى المرحلة الابتدائية والإعدادية، كانت معظمها فى القراءة الحرة، وكانت جائزتى الأفضل هى تعليق رسومى على حوائط المدرسة!

جائزة شرفية من معرض  فرانكفورت الدولى 

فوجئت بحصول كتاب «سيد الخلق» الذى كتبته السيدة كريمان حمزة على الجائزة الشرفية، من معرض فرانكفورت الدولى للكتاب، وهو أكبر معرض للكتاب فى العالم، والكتاب معروض أثناء المعرض بأجزائه الخمسة فى واجهة زجاجية، كما كُتب اسم مصر فى لوحة الشرف، وهذا شرف أعتز به، وشهادة من الغرب، تؤكد احترامهم لفن الكتاب المصري، والكتاب عبارة عن مائة لوحة، تصور حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من قبل مولده، وحتى وفاته.