السبت 6 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد إعلان مصر والسودان وصول المفاوضات لطريق مسدود

أزمة سد النهضة.. هل بدأت المواجهة «الدبلوماسية» مع إثيوبيا؟

بإعلان دولتى المصب مصر السودان لحوض نهر النيل الأزرق، وصول المفاوضات التى يرعاها الاتحاد الإفريقى بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبى إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبى، اتخذت القضية منحنى تصعيدى آخر خلال الأيام الأخيرة، سعيًا من القاهرة والخرطوم لمواجهة المخاطر والأضرار المحتملة لعملية ملء السد، دون اتفاق قانونى ملزم، على حقوقهما المائية المقدرة قانونا وتاريخيا.



التصعيد المصرى السودانى، والذى يأتى بتنسيق كامل وتوحيد للجهود، يستهدف الانتقال بالقضية لمستويات أعلى، على الصعيد السياسى والدبلوماسى إقليميا ودوليا، فى ظل إصرار إثيوبى على التصرف بشكل إحادى وبدء الملء الثانى للسد، أكدته تصريحات المسئولين بالحكومة الإثيوبية مؤخرا، وبالتالى وجب التحرك بإجراءات عاجلة تواجه الموقف الإثيوبى «العدائى» خصوصا من عملية ملء السد.

 

الموقف الفنى: الخطر قائم

 

لا يمر يوم دون أن تصدر رسائل من القاهرة والخرطوم تؤكد موقف البلدين الثابت بشأن حتمية الوصول لاتفاق قانون ملزم لجميع الأطراف بشأن عملية ملء وتشغيل السد وآلية للتعامل فى وقت النزاعات.. رسائل يومية تصاحبها تحركات سياسية واتصالات دبلوماسية، على الصعيد العربى والدولى والأممى تمثل مواجهة للتعنت الإثيوبى، وترسم ملامح الفترة المقبلة للتعامل مع هذا الملف.

على صعيد الجانب الفنى تتابع دولتا المصب الموقف الإنشائى للسد بشكل دقيق، وهو ما أكدته تصريحات وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، بأن مصر والسودان يعتمدان على التقييم الذاتى لمراحل بناء السد، وأن هناك متابعة للنواحى الفنية والتطور فى مستويات البناء وتقييم دقيق لها بالاشتراك مع السودان، موضحا أنه يتم مراجعة كل البيانات الفنية بدقة من خلال صور الأقمار الصناعية، والتى تشير إلى أن وتيرة البناء لم تصل إلى ما كان منتظرا.

هذا الموقف الفنى كان محورا أساسيا فى مباحثات وزيرى الخارجية والرى المصريين خلال زيارتهما للخرطوم يوم الاربعاء التاسع من يونيو، بما شملته من بيانات اتفق معها مسئولو البلدين على «المخاطر الجدية والآثار الوخيمة المترتبة على الملء الأحادى لسد النهضة»، ومن ثم يتوجب التنسيق على الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية لدفع إثيوبيا على التفاوض بجدية وبحسن نية، خصوصا بعد أن وصلت المفاوضات التى يرعاها الاتحاد الإفريقى إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبى.

 

التصعيد لمجلس الأمن

 

رسائل زيارة وزيرى الخارجية والرى للخرطوم، لم تخف حالة القلق لدى مصر والسودان من الآثار والأضرار المحتملة لملء وتشغيل السد بشكل أحادى، بل أكدت ضرورة الانتقال بالملف لمستوى أعلى يضمن ما وصفه البيان المشترك بين البلدين «تدخل نشط من قبل المجتمع الدولى لدرء المخاطر المتصلة باستمرار إثيوبيا فى انتهاج سياستها دون مراعاة لمصالح السودان ومصر». تلت زيارة الخرطوم عدة تحركات من مصر والسودان، كان أبرزها تقديم مصر ملف كامل لمجلس الأمن حول موقف قضية سد النهضة، لتوثيق المواقف البناءة لمصر على مدى عقد كامل من المفاوضات، هذا بجانب شرح الموقف الحالى للقضية والمواقف الإثيوبية المتعنتة التى أفشلت المساعى المبذولة فى الأشهر الاخيرة من الاتحاد الإفريقى.

هذا بجانب تسجيل اعتراض الدولة المصرية على ما أعلنته إثيوبيا حول نيتها الاستمرار فى ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل والإعراب عن رفض مصر التام للنهج الإثيوبى القائم على السعى لفرض الأمر الواقع على دولتى المصب من خلال إجراءات وخطوات أحادية تعد بمثابة مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولى واجبة التطبيق.

وفى نفس الوقت سجل وزير الخارجية خلال اتصال مع سكرتير عام الأمم المتحدة الموقف المصرى فى هذه القضية، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن قلق المجتمع الدولى وتخوفه من الإقدام على الملء الثانى للسد الإثيوبى، كما عبر عن قلقه من حدوث خطوات تصعيدية وتوتر فى منطقة القرن الإفريقى نتيجة الملء الثانى.

 

دعم الجامعة العربية

 

دعت مصر والسودان لاجتماع غير عادى لوزراء الخارجية العرب، تحدد له الثلاثاء 15 يونيو بالدوحة، لبحث تطورات قضية سد النهضة، حيث ناقش الوزراء العرب دعم موقف مصر والسودان سياسيا فى تلك القضية.

وبالفعل أكد مجلس الجامعة العربية أن الأمن المائى لمصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى، وأعلن رفض التصرفات الإثيوبية الأحادية مع تكثيف الاتصالات مع أعضاء مجلس الأمن للبحث عن حل لهذه الأزمة.

وأرجع الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكى، أهمية هذا الاجتماع إلى أن مصر والسودان فى حاجة لدعم من قبل الدول الأعضاء بالجامعة العربية، وبالتالى من المهم صدور موقف داعم من الدول العربية لهما فى تلك القضية فى ظل التعنت الإثيوبى، حيث إذا حصلت مصر والسودان على دعم من مختلف الأطراف الدولية، من الممكن وضع الموقف الإثيوبى فى عزلة قد تدفعه لمراجعة حساباته.

وفى إطار هذه التحركات كلفت الجامعة العربية اللجنة المشكلة من دول الأردن والسعودية والمغرب والعراق لمتابعة قضية السد، ببعض الاتصالات فى نيويورك، بجانب إجراء اتصالات مع مجلس الأمن ورئيسه والأعضاء هدفها توفير الدعم السياسى لمصر والسودان.

 

عقوبات أمريكية

 

تتعاقب تصريحات المسئولين فى أديس أبابا عن ملف السد، والتى تعكس إصرارًا على إلحاق الضرر بدولتى المصب، وبدا ذلك فى تصريح من وزير الرى الإثيوبى بأنه سيتم رفع الممر الأوسط للسد لارتفاع 573 مترًا بدلًا من 595 مترًا وأن بلاده تسابق الزمن من أجل إنهاء بعض الأعمال الهندسية بالبوابات الـ13 للسد، قبل الملء الثانى فى يوليو.

اللافت أن تصريح وزير الرى الإثيوبي، أعقبه تصريح أكثر جدلًا من رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد أن بلاده أكثر من 100 سد صغير ومتوسط فى مناطق إقليمية مختلفة من البلاد فى السنة المالية المقبلة، بل وناور المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا المفتى، بأن بلاده تعتزم إنشاء قواعد عسكرية فى البحر الأحمر.

مواقف تعكس نوايا الجانب الإثيوبى «العدائية»، وتتجاهل موقفًا داخليًّا متأزم بسبب الحرب الداخلية فى إقليم تيجراى والذى يواجه أزمة إنسانية يندد بها المجتمع الدولى، للحد الذى دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإعلان عقوبات على الحكومة الإثيوبية تضمنت قيودًا واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا، بسبب «الفظائع المرتكبة فى إقليم تيجراي».

الأمر ذاته الذى دفع البابا فرنسيس بابا الفاتيكان لإدانة ما يحدث فى تيجراى ويعلن تضامنه مع سكان الإقليم، مطالبا بضرورة العمل لوقف فورى للعنف، وضمان وصول المساعدات الغذائية والصحية للجميع.

 

رسائل للاتحاد الإفريقى

 

وفى إطار المواقف الموحدة بين القاهرة والخرطوم، جاء التأكيد السودانى من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لوفد من الاتحاد الإفريقى برئاسة موسى فقى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، بداية الأسبوع، بضرورة التوصل لاتفاق قانونى ملزم حول ملء وتشغيل السد، لتفادى الأضرار التى يمكن أن تنتج عن هذه العملية بشكل أحادى.

الأضرار السودانية المحتملة ناقشها اجتماع اللجنة العليا لسد النهضة برئاسة رئيس الوزراء السودانى فى بداية شهر يونيو، حيث يشكل ملء وتشغيل السد بشكل أحادى من إثيوبيا تهديد مباشر على تشغيل سد الروصيرص وعلى مشروعات الرى ومنظومات توليد الطاقة والمواطنين على ضفتى النيل الأزرق بالسودان.

أعقب ذلك رسالة أخرى من الخرطوم، عقب اجتماع الأمن والدفاع السوداني، والذى أكد التنسيق مع مصر فيما يتعلق بموقف مفاوضات سد النهضة.

 

«القوة».. والخيارات المطروحة

 

اعتبر السفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية، أن اللجوء لمجلس الأمن وتقديم مصر ملفًا كاملًا بشأن تطورات القضية، يعد تصعيدا للقضية إلى المستوى الأعلى فى العالم بعد أن تبين الاتحاد الإفريقى غير قادر للوصول للاتفاق المنشود بسبب التعنت الإثيوبى.

وأشار فى تصريحات لـ«روزاليوسف» إلى أن هناك عدة خيارات أمام مجلس الأمن لاتخاذها، منها اتخاذ قرارات ملزمة تحول دون وقوع الضرر وتلزم الجانب الاثيوبى باتفاق قبل عملية الملء، أو اللجوء للفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن والتى تعطى للدول حق استخدام القوة للدفاع الشرعى.

وأشار إلى أن آليات فض النزاعات بالطرق السلمية تم استنزافها، من المفاوضات والوساطة والتحكيم واجتماعات قمة على مستوى الرؤساء، كما أن كل الحلول والاقتراحات التى قدمتها مصر والسودان تم رفضها.

وأوضح أن عامل الوقت قد لا يسعف فى الدخول بمسارات التحكيم الدولى، وبالتالى الخيار الذى يفرض نفسه هو خيار مجلس الأمن بما يملك من سلطة اتخاذ قرارات تحول دون وجود تهديد للسلم والأمن فى المنطقة، أو خيار «القوة» خصوصا عندما يحدث هذا الضرر الجسيم، لا يمكن لدولة أمام مسؤلية شعبها ومصالحها أن تصمت وأن تترك الأمر.