الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
كلام كبار

كلام كبار

عندما كنا صغارًا أعتقد أنه لم ينجو أحد منا من المشهد الذى يقوم فيه أحد الكبار بإجبارنا على أن «نلعب بعيد» بحجة أن القادم من الحديث هو «كلام كبار» ولا يصح أن نستمع إليه فى تلك السن الصغيرة.



وبغض النظر عن ماهية هذا الكلام وهل هى نقاشات فلسفية شديدة التعقيد أو خلافات وأسرار تحتاج  إلى الكتمان أو أى أمر مشابه إلا أننا كنا نشعر بالرغبة الشديدة فى معرفة ما الذى سوف يدور من «كلام الكبار» على الأقل لنشعر بأهميتنا وبأننا ما عدنا صغارًا بعد. مرت السنوات وعرفنا أو توقعنا ماذا كان يدور فى تلك الجلسات... عذرنا الكبار لحمايتنا من التعرض لبعضها وقمنا بلومهم على البعض الآخر ثم بعد فترة وجدنا نوعا آخر من «كلام الكبار» والذى يطلق عليه البعض «كلام عواجيز».

والحقيقة أننا فى فترة من الفترات كنا نفر من هذا الكلام وربما نشعر بالملل والرغبة فى النوم عندما يبدأ أحد كبار السن فى الحديث... ثم بعد أن قمنا بالاحتكاك بالحياة بقدر معقول وخاصة أننا جيل محظوظ أو بائس لتعرضه لكل تلك الأحداث والمتغيرات والأهوال والتقلبات فى فترة زمنية وجيزة.

حاليًا نجد أن كلام الكبار هو ما يجب  أن نستمع إليه ونقدره فهم يتحدثون عن مواقف وخبرات ودروس حياتية وحكم ومعارف ويستطيعون الحديث عن النفس البشرية باقتدار نابع مما مروا به ومن المعاناة الناجمة عن ذلك ثم تجدهم يتحدثون عن تلك الكوارث بنوع غريب من الهدوء وربما بقدر كبير من السخرية المحببة الكاشفة الموضحة للأفكار وما يودون أن نتعلمه.

منذ فترة كنت سعيد الحظ أن أكون أحد الحضور فى ندوة حاضر فيها اثنان من القامات الكبيرة وبمراجعة أعمارهما المعلنة وجدت أحدهما يبلغ من العمر 85 عاما والثاني 87 عاما ـ لن أقول الأسماء خوفا عليهما من الحسد-وكانت من أجمل الأوقات لدى عندما استمعت  إلى خبراتهما وإلى ما يحملان من حكم وتوصيات ونصائح لمصر وللأجيال القادمة... بعد انتهاء الندوة شعرت أننى عدت شابا صغيرا وشعرت بالكثير من الخجل من النفس أن أشعر يوما ما بكسل أو تراخِ أو فقدان الأمل وهؤلاء الكبار لا تزال أرواحهم شابة وطموحاتهم كبيرة. أتمنى أن تتبنى وسائل الإعلام برامج لاستضافة الكبار لنستزيد من خبراتهم فطبقا للتعداد الأخير فإن نسبة من تخطوا الـ65 عاما تصل إلى 4% من إجمالى عدد السكان... برامج على غرار «شاهد على العصر» ولكن ليس من الضرورى أن يكون الضيف مشهورا... يكفى أن يكون كبيرًا فى السن فبالتأكيد سيكون لديه ما يرويه ونستفيد منه.