السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الحداثة فى الفن.. وحجة البليد

الحداثة فى الفن.. وحجة البليد

بعد أن أسأنا جميعًا فكرة الحداثة سواء فلسفة أو تسلسلًا زمنيًا أو حتى اصطلاحًا علينا أن نقر أن كلمات مثل حداثة وتجريب وسريالية وتكعيبية ودائرية.. إلخ أصبحت مجرد اصطلاحات فارغة و طنانة أفرغت من محتواها وخصوصًا فى المنطقة العربية عامة والفن خاصة بل ونستطيع أن نصفها بأنها – حجة البليد – وهذا ليس مجرد اصطلاح شعبى وحسب بل هو شرح واقعى لمن يدعون الإبداع تحت مظلة الحداثة الكاذبة دون فهم حقيقى لمعنى الحداثة.. وأصبحت أسهل كلمة تسمعها فى المعارض والجاليريهات والمراسم ليقطع الطريق على المتلقى للنقاش والتفنيد واستبيان الجدوى ..لكننا يجب أن نعيد النصاب للواقع من الناحية النقدية فبين الحين والآخر يخرج علينا بعض مدعى الفن بأعمال تافهة خالية من المضمون والفكرة ويظلون يجادلون ويطلقون الألفاظ – التى لا يفهمونها فى الغالب – والمسميات حتى يوهموا المتلقى بأنهم يقدمون فنًا جديدًا له قواعده، لذا علينا أن نطرح بعض الأسئلة البسيطة والتى هى لب علم النقد لكى نعرف من هم هؤلاء وهل هناك حداثة بالفعل وهل هم يتبعونها أم لا؟.



أولًا الفن فى تعريفه البسيط هو صراع على إظهار الجمال.. ومن ثم علينا أن نرى الجمال فى التناغم بين المقاييس إذا كان موضوع الفن هو الجسد الإنسانى أو الحيوانى والتناغم بين الخطوط إذا كان موضوع اللوحة هو طرحًا هندسيًا أو رياضيًا – وهذا وارد مثلما فى لوحات موندريان وكاندينسكى – وهذا لا ينفى أن لوحات اللوبرو أو بعض مدارس الحداثة تتبع ذلك بمقاييسها الخاصة بل لعلنا نرى فى الكثير منها واقعية أكثر من المدارس الكلاسيكية وهذا ينطبق على الكثير مثل لورى ليبتون وماكس ريدن، هذا بالنسبة للهدف من الفن وتعريفه أما بالنسبة للحداثة فيجب أن نحدد نقطتين أولاهما أن الحداثة هى كل تطوير يظهر فى عصر ما مخالفًا للأطر الكلاسيكية لهذا العصر ومن ثم تعتبر الحداثة شيئًا جادًا وليس بديلًا عن الفن ذاته كما نرى الآن وكل حداثة نشأت قبل عصرنا أصبحت كلاسيكية فى العصر اللاحق.. أما النقطة الثانية فهى الجهل بمصطلح الحداثة ذاته فاستخدامنا كلمة حداثة اصطلاحًا تعنى عودتنا لما قبل 150 عامًا مضت فالحداثة بدأت بكتابات الماركيز دى ساد وتآكلت بعد ظهور السريالية والتكعيبية التى هى بحد ذاتها مذاهب وقتية أو ربما صيحات فنية اندثرت الآن ومن ثم يعتبر اصطلاحًا ما بعد الحداثة أى Post Modernism  هو الأكثر دقة لكننا مع الأسف نكتشف أن ما بعد الحداثة أيضا ماتت منذ 40 عامًا وهكذا، ومن ثم فإن الفهم الخاطئ لمصطلح الحداثة أيضا أحد قصور هذا الذى يدعى الإبداع ويحاول أن يلصق بعمله الخالى من المضمون والحرفية بفكرة نقدية ضبابية، وهكذا فإن كلمة حداثة أو فنان حداثى أو حتى سريالى بالمعنى الشعبى وليس بالمعنى الحقيقى لا تفسر هذه الشخبطات أو بقع الألوان الخرساء أو المنحوتات الأكثر غباء من أصنام قريش إذا جاز التعبير، فالفنان الطليعى هو ذلك الذى يفهمه كل من يرى أعماله سواء كان عمله تقريريًا ومباشرًا أو كان يعتمد على الرمز والوحدة المفككة – دون الإفراط فى ذلك بالطبع – وعلينا هنا أن نأخذ مثالًا لماذا ماتت السريالية وكانت عثرة الهضم أو دعنا نقول أنها تغلبت على غبائها فى الغموض وخرجت لنا بشكل أكثر توضيحًا وإمتاعًا للمتلقى العادى والمتخصص على حد سواء، أولًا السريالية التى نشأت بالأساس على يد أندريه برتون فى فرنسا فى الربع الأول من القرن العشرين كانت بالأساس مذهبًا أدبيًا انسحب على معظم الفنون فيما بعد وأصدق ما يمكن أن نصفها به أنها مجازفة غير محسوبة ساهمت فى تفكيك قيم الفن بشكل كارثى حيث أسيء فهمها، بل لعلنا نعتبر أن السريالية أنتجت أباطرة مبدعين لكنهم كانوا أكثر كذبًا فى مواجهة المتلقى بغرض الكسب من الفن والدليل على ذلك أن سالفادور دالى كان يستخدم تلاميذه ويضع إمضاءه ليبيع أكثر بل لعل دالى قد سرق شهرة فنان أعظم منه بكثير يعتبر هو نبى السريالية الحقيقى وهو البولندى فرانز سيدلاتشك والذى فقد فى الحرب العالمية الثانية فظهر على حساب ذلك سالفادور دالى وتألق وعند مقارنتنا أعمال دالى بأعمال سيدلاتشك نجد أن دالى أساء فهم السريالية فى معظم أعماله – على الرغم من وجود أعمال ناضجة – ونجد أن سيدلاتشك كان سرياليًا عبقريًا لأنه استخدم السريالية دون أن يحير المتلقى بمعميات وأوهام ليست موجودة فى العمل الفنى من الأساس، وهذا ما يفعله فنانونا فى مصر والوطن العربى – بعضهم طبعا وليس الجميع – يعكفون على اللعب ثم يخرج على المتلقى بهلوسات كلامية لا علاقة لها بالنقد ولا الفن حتى يوهمه أنه يطير فى سماء الإبداع وهو بالأساس يغوص فى وحل الكذب وأصبح الفنانون الشبان يجدونه مضمارًا سهلًا لكى يلفتوا الأنظار إليهم ويضخموا ذواتهم الفنية أمام السذج، والنصيحة هنا عزيزى الفنان.. عزيزتى الفنانة برجاء دراسة التشريح.. برجاء إتقان فن الموديل ... برجاء إتقان الفن الكلاسيكى والبورتريه والإكثار من العمل الجاد والتجربة ... حتى إذا وصلت لمعادل فنى يخصك ووجدت أنه طليعى وحداثى لا يكون الاصطلاح هو حجة البليد التى تتكئ عليها حتى تخفى ضعفك فى الأسس السليمة للفن وتخفى أيضا جهلك بتاريخ الفن.