الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أنت فين

أنت فين

منذ أن دخلت خدمة الهاتف المحمول مصر فى نوفمبر 1996 وأصبحت الجملة التالية لكلمة «ألو» المعتادة هى جملة «أنت فين؟» وهنا تأتى الإجابات المختلفة بفخر وسعادة من المسئول ويا حبذا إن كانت الإجابة غريبة نوعًا ما فيستمر الطرفان فى الحديث حول المكان لعدة دقائق قبل البدء فى الانتقال إلى هدف المكالمة الأصلية إن كان لها هدف أصلًا.



أتذكر سعادة البعض عندما يعرف أن الطرف الآخر فى الإسكندرية على عكس المتوقع أو داخل إحدى دور السينما.... أتذكر مدى سعادة أحد الأصدقاء عندما أتاه الرد من الطرف الآخر أنه جالس أمام الكعبة المشرفة يدعو الله.

لم يخل الأمر أيضًا من بعض الدعابة البريئة-  والسخيفة أحيانًا-  كأن تكون الإجابة على سؤال «أنت فين؟» مثل «وأنت مالك» أو«أنا فى الدنيا»... إلخ.

بعد فترة فترت الرغبة فى الاستعراض بهذا السؤال وإجاباته المدهشة وبقى فقط من أجل المتابعة والتتبع للأنماط والثنائيات التقليدية... أب وابنه... زوجة وزوج... مدير ومرءوس.... إلخ.

ومع الدخول فى العقد الثانى من تلك الألفية بدأت تقنيات أخرى فى النضج وزادت الاعتمادية عليها ومنها تقنيات الاجتماعات الافتراضية - عن بعد - فيما يطلق عليه فيديو كونفرانس Video Conference والتى تزايدت بصورة غير مسبوقة كأحد أساليب الهروب والحماية من فيروس كورونا.

الاستخدامات تنوعت بين العمل عن بعد والدراسة عن بعد وصولًا إلى العزف فى أوركسترا عن بعد أو حضور بعض التمارين الرياضية أيضًا.

بدأ الترتيب لتلك اللقاءات بنوع من المراعاة لأوقات اليقظة وتناول الطعام وقيادة السيارة والراحة وأخيرًا النوم ثم سرعان ما تنافس الجميع فى قبول دعوات تلك الاجتماعات فى أى وقت فأصبحت بعض اجتماعات العمل تبدأ فى الساعة العاشرة مساءً والكثير منها يتم فى أيام العطلات الرسمية أو الإجازات الخاصة بنوع من الرفض والاستهجان لمن يعترض بدعوة أنه لن يتجشم أى مشقة للحاق بالاجتماع... يكفى أن يكون متصلًا بشبكة الإنترنت من خلال حاسب آلى أولاب توب أو حتى من خلال هاتفه المحمول وهو الذى أخذ تلك الاجتماعات إلى مستوى آخر من الطغيان فأصبح من الممكن أن تنضم إلى اجتماع مهم أثناء قيادة السيارة أو أثناء الاسترخاء أمام شاطئ البحر وأصبح الاعتذار أو محاولة تغيير ميعاد أى اجتماع نوعًا من التملص من المسئولية أومحاولة الانفلات والتسيب.

هذا السباق المحموم رفع أرباح شركة زووم فقط المالكة لإحدى أشهر تطبيقات الاجتماعات الافتراضية من 21 مليون دولار فى 2019 إلى 671 مليون دولار فى عام 2020 ومن 10 ملايين مشارك يوميًا فى عام 2019 كله إلى نحو 350 مليون مشارك يوميًا فى ديسمبر 2020 ....إحصائيات التطبيقات الأخرى أيضًا مرتفعة بصورة غير مسبوقة وفى هذا السباق المحموم توقف السؤال التقليدى «أنت فين» وبدأت أسئلة أخرى مثل «صوتى واصل؟» و«شايفينى يا جماعة».... إلخ.