
محمود عبد الكريم
الحبشة والعرب والإسلام
مما لا شك فيه والثابت تاريخيا أن مصركانت منذ القدم مفتاح العرب قديمًا وحديثًا إلى قلب القارة الإفريقية وكان طريق مصر الفرعونية إلى قلب القارة مارًا بالسودان معروفًا منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد والقوافل التجارية المصرية والحملات العسكرية وصلت إلي مناطق غرب السودان عبر النوبة وإلى الشرق كذلك عند الحبشة وكانت البخور لأهميتها فى الطقوس الدينية عند الفراعنة قد لعبت دورًا سياسيًا وتاريخيًا فى العلاقة بين حضارة الفراعنة فى وادى النيل ومناطق أعالى النيل خاصة بحر الغزال والنيل الأزرق، والمهم فى ذلك كله أن العرب عبر التبادل التجارى حملوا إلى الساحل الشرقى لأفريقيا معالم حضارتهم القديمة وبذروا هناك بذور اختلاط عرقى بين العرب والزنج عن طريق التزاوج والاستقرار وأدخلوا الثقافة العربية كما أدخلوا كثيرًا من الصناعة والزرعة والتجارة التى نقلوها من هذا الساحل ليس فقط إلى الساحل العربي المقابل بل إلى الهند والصين وهذا التزاوج الحضارى أنتج عبر قرون لغة جديدة أو ما يعرف باللغة السواحيلية التى تضم مزيجًا من العربية والبانتو الإفريقية القديمة وهكذا عاش العرب والأفارقة فى شرق إفريقيا فى ظل تزاوج بشري وحضارى حتى جاء الاستعمار فى العصر الحديث
تعرضت هذه السواحل فى هذه الفترة إلى هجرات متلاحقة من جنوب الجزيرة العربية قوامها الأساسى من قبيلة حبش وربما يفسر هذا سبب تعدد حالات التزاوج بين سكان الجزيرة العربية والأحباش حيث استقرت بعض القبائل العربية فى شمال القرن الإفريقى واختلطت بسكان الساحل من الأفارقة فشكلوا معا بيئة جديدة تقوم على تهجين العرب بالأفارقة وأقاموا حضارة متميزة أيضا ترتبط عبر البحر الأحمر بسواحل الجزيرة العربية خاصة باليمن، واستخدمت لهجة عربية قديمة هى أصل اللغة الحبشية التى تكونت فيما بعد .
يقول المؤرخون لتاريخ الحبشة أن مملكة «أكسوم» قامت على يد «منليك الأول» الذى هو رأس الأسرة الملكية الحبشية ومؤسس دولة أكسوم فى القرن العاشر قبل الميلاد و«منليك هو ابن سليمان الحكيم أنجبته منه كما يقول الكاتب الكبير صلاح الدين حافظ فى مؤلفه الرائع صراع القوى العظمى حول القرن الإفريقى بلقيس ملكة سبأ أو ماكيدا فى التاريخ الحبشى القديم الذى يقول إنها كانت تحكم الحبشة القديمة بجانب حكمها لليمن وهو ما يدل على قوة الروابط التى كانت تجمع العرب ومن قبلهم المصريون بالحبشة وشعبها.
وفى العلاقة بين العرب المسلمين وأهل الحبشة النصارى نزلت الآية القرآنية الكريمة «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، وإذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق» سورة المائدة آية 82 و83 .. ورغم النص القرآنى الصريح ورغم العلاقات التاريخية الموغلة فى القدم إلا أن رئيس وزراء هناك استكبر وأعماه الصلف والكبر ولكن غدا سيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.