الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فلننشر السلام

فلننشر السلام

 زوج يحكى: خاصمت زوجتى شهرين لأمر خلافى ما نشأ بيننا... أصبحت لا أكلمها ولا آكل فى البيت... وبعدها تحاورنا واتفقنا وتصالحنا وتم حل هذا الأمر الذى غضبت لأجله ولكن... وجدت أن زوجتى اعتادت النوم وحدها تقول : طول حياتى كنت أقرأ حتى أنام و لكن منذ تزوجتك كنت لا أريد أن أزعجك بالضوء... وفى فترة هجرك رجعت لقرائتى وارتحت لما اعتدت عليه، كما كنت أشعر انها عندما تدخل الغرفة تستنكر رائحة (نفسى) فيها؛ وهى التى كانت لا تنام إن بعدت عنها 20 سنتيمترا! لم تعد تعلق على الأكل خوفا على مرددة:  كفاية ملح... انتبه ضغطك سيرتفع! فقد  اعتادت أنى آكل خارج البيت لمدة شهرين، فما عاد يفرق معها ملحى فى الطعام زاد أو نقص... وبعد أن كانت لا تكف عن خلق أحاديث معى... أصبحت صامتة فى وجودى منشغلة بقرائتها أو حياكتها... شعرت أنى بخصامى لها انتصرت فى أمر، لكنى خسرت أمامه الكثير جدا الذى لم اكن أشعر بقيمته؛ وكان الثمن أغلى بكثير مما جنيته...!



راقت لى حكاية الزوج؛ فقد أكد على كون المرأة مرآة حقيقية للرجل، وبوقوع الخصام أو الفرقة يفقد بابتعاده عنها الكثير مما لا يعوض، ويصعب استرداده ولو بعد حين، مثل الزجاج بعد تهشمه، فلما نعرض حيواتنا للخلافات المدمرة والخصام الذى لارابح فيه؟! لم لا نتحكم فى غضبنا ونكظم غيظنا حفاظا على علاقاتنا الإنسانية نافعة وصحية؟!

 فالخلق الأمثل ينطوى على العفو والمسامحة والمغفرة والدفع بالتى هى أحسن مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق حتى يخيره الله من الحور ما شاء»، فإياك والفجر فى الخصومة، فإن الدنيا زائلة، وعند الله يجتمع الخصوم. فديننا الحنيف يدعو للسلام وينفر من القطيعة والخصام.

اما عن تعريف الخصام فى الشريعة الإسلامية  فيوصف أنه: لجوجة فى الكلام بين شخصين لحق مقصود بينهما ويكون على شكل ابتداء أو اعتراض، فالخصام ينتج عن عاملين أساسيين هما الجدال والمراء من جهة والتشبث بالرأى الباطل من جهة أخرى، وقد وقف الإسلام معترضا على الخصام بين الناس. وقد ورد ذلك فى قول ذائع للإمام على بن أبى طالب ،كرم الله وجهه: «إيَّاكم والخصومة؛ فإنها تمحق الدِّين». وأثبت القول الأحنف بن قيس: «كثرة الخصومة تنبت النفاقَ فى القلب». وكذلك معاوية بن قرَّة: «إيَّاكم وهذه الخصومات؛ فإنَّها تحبط الأعمال».

كما أورد الإسلام أكثر الأسباب التى تؤدى إلى الخصومة بين الناس وأبرزها التشبث بالرأى حتى بعد معرفة الخطأ وعدم الاعتراف به.

 فكلما تعمقت جذوة الخلاف وطالت مدة الخصام بينك وبين أحبائك كان ذلك مظنَّة برود العاطفة، وجمود الحب، وعدم رجوع العلاقة بالشكل الحميم الذى كانت عليه قبلا، وفى أحايين كثيرة  يواريها التراب لو فقدنا الإنسان العزيز أثناء فترة الخصام  تحت التراب فلم يعد هناك مجال لإصلاح ذات البين حينها نعض أصابعنا ندما وتتقازم أمام أعيننا أسباب الخلاف ونراها واهية وتافهة أمام إرضاء عزيز لدينا وشراء خاطره وقتئذ لا يهم كثيرا من كان المخطئ ومن المصيب! ناهيك عن كون تأخير الصلح يجعل الطرف الآخر يتأقلم على غيابك ،ويمضى قدما فى حياته كأنك لم تكن يوما طرفا مهما فيها ! ياللعجب ،على المشاعر الإنسانية وتقليب ربك للقلوب!

فلابد أن تبادر بالاعتذار للطرف الآخر ولا تدع الغضب يسيطر على علاقتك بمن تحب فلا تتركه غضبانا بأن تؤجل اعتذار اليوم إلى الغد، لأن التأخر فى الاعتذار يضع بذرة الفراق، وقد يكون فراقا أبديا بلاعودة. 

فحسم الخلاف والمبادرة إلى الصُلح بين الإخوة فى الإسلام ، جعله يحرِّم أن تزيد مدة الخلاف عن ثلاثة أيام.

والصلح والعفو عند المقدرة ينسحب على الأخوة، والأهل، والجيران، والأقارب وكل من نتعامل معه فى الحياة من أصدقاء ومعارف وزملاء العمل... ولا ينبغى أن تتأخَّر عن ذلك، أو تتوانى، واحذر أن يسرقك الوقت ولاتنتبه إلى أن مدة الخلاف قد طالت عن ثلاثة أيام عملا بقول رسولنا الكريم  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ  ثلاث لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ».

يجب الاعتدال فى الخصومة وعدم الاستغراق  فيها وقبول المصالحة والصفح لقوله صلى الله عليه وسلم: «أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما».

إذن علينا أن نلتزم ضبط ألسنتنا إذا وقعت الخصومة، وهو ما أكده قوله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، فانبعاث المعاصى والمحارم هو الفجور بعينه.

فلننشر السلام بيننا  -كما تدعونا كل الأديان إليه فى شروحها لما يجب أتباعه من آداب الخصام-،وننبذ العناد، وننفض عن قلوبنا الغلظة والكراهية والبغضاء، ونتعامل باللين والصفح حتى يحل الوئام والصفاء، فنهنأ بالا، ونسعد بأحبابنا، وتستقر أسرنا حفاظا على أطفالنا، ونصل أرحامنا، فلا مكسب نجنيه من وراء خصام، فأمامه كلنا خاسرون!

أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون