
محمود عبد الكريم
الحرية وحدودها
من المؤكد أننا أحرار، ولدينا أحرار أوعشنا أحرارًا وسنموت بإذن الله أحرارا، نحن أحرار حرية لا ينعم بها الكثير من أبناء الشعوب الأخرى من حولنا حتى وإن تظاهروا بالحرية وبالثراء الذى يباهون به العالم وهم مقيدون فى حركتهم وسلوكهم وآرائهم، ولوعرف المصريون مايلقاه غيرهم من استبداد واستعباد لسجدوا لله شاكرين نعمة الحرية التى يحظون بها.
ولكن للحرية بالضرورة العديد من الضوابط والحدود التى تختلف من فئة إلى أخرى، وبين مجتمع وآخر، ويكون ذلك الاختلاف بناءً على طبيعة هذه الفئات والمجتمعات، وحتى تحقق الحرية الهدف المطلوب لا بدّ من ممارستها ضمن هذه الحدود والضوابط ومن هذه الضوابط الابتعاد عن المساس بالديانات جمعيها، واحترامها، وعدم التعدى عليها بأى حالٍ من الأحوال. وعدم التمادى فى ممارسة الحرية الشخصية عند وصولها إلى حرية الآخرين، حيث تنتهى حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين. والالتزام بالنظم والقوانين لأى بلد تعيش فيه، ما دام ذلك لا يتعارض مع الشرع، فالالتزام بها ضروري، وليس من الحرية أن تتجاوز أعراف المجتمع، وقوانينه، وعاداته.
والحرية من حقك شريطة تجنب أن تؤدى حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام، وتقييد أركانه، وإحداث اضطرابات أمنية فيه وعدم المجاهرة بالمعاصي، والأفعال السيئة والتباهى بها؛ حتى لا تجرح مشاعر الآخرين.
كذلك تؤثر القيم الأخلاقية فى ضبط مفهوم الحرية وتنظيم حدودها، وذلك من خلال وضع الأسس التى يجب أن تحتكم إليها أفعالنا وأقوالنا، ويعود الالتزام بهذه الأسس إلى حكم الضمير الذى يمارسه الإنسان على نفسه وفق إرادته الحرة.
ويتضمن بل ويشتمل كلّ دين من الديانات السماوية فى شقه العملى على عدد من الأوامر والنواهى التى تضبط حرية الإنسان، بحيث يعود الالتزام بها إلى الإيمان بالثواب والعقاب، وماهية مصير الإنسان بعد الموت ولابد أن يعلم الباحث عن الحرية إنّ لكلّ مجتمع من المجتمعات ثقافته الخاصة التى تكون موجودة فى وعيه العام، حيث يحدد هذا الوعى لأفراده أنماط السلوك الصحيح للجماعة والمتفق مع قيمها، بالإضافة إلى عاداتها، فتحدد حدود ممارسة الحريات فى المجتمع بما ينسجم مع هذه الأنماط والقيم، فعلى سبيل المثال قد تكون المرأة حرة فى مجتمع معين فى قيادة السيارة، أو العمل، كما أنّه توضع قيود كثيرة على حريّة المرأة فى بعض المجتمعات الأخرى، بحيث لا يُسمح لها بمزاولة هذه الأعمال والأنشطة وقس على هذا الاختلاف بين المجتمعات جميعًا كل له ما اتفقت عليه أعراف هذا المجتمع. إذًا الحرية ليست مطلقة وإلا تحولت المجتمعات الإنسانية إلى غابة مفتوحة.