الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فى انتظار المعجزة

فى انتظار المعجزة

دائما ما ينبهر الأهل بما قد يقوم به الأبناء الصغار من اقوال وافعال خاصة تلك التى تفوق سنهم وخبراتهم المتواضعة ويبدأون فى استعراض تلك المواقف مع الاهل والاصدقاء هذا بالإضافة الى عبارات الاعجاب والتشجيع التى يلقونها على مسامع الابناء جراء ما قاموا به متخيلين ان هذا يسهم فى المزيد من الاقوال والافعال المبهرة.



وإن كان هذا الامر صحيحا فإنه يحدث فى نفس الطفل شيئين رئيسيين اولهما بالطبع اعطاؤه جرعة كبيرة من التشجيع ومن الثقة بالنفس ولكنه أيضا يجعل الطفل فى حالة ترقب وتحفز وبحث عن المزيد والمزيد من تلك الافعال ليحصل على المزيد والمزيد من التشجيع و الاطراء.

وفى حقيقة الأمر فإن هذا النمط قد ينقلب الى نمط سلبى تماما حيث يعظم من احساس الطفل بأن أسلوب الابهار هو الاسلوب الوحيد المطلوب و يقلل كثيرا من منطقية وضرورة اتباع الاساليب التقليدية للتفوق والنجاح وهو ما يعلو من قيم غير سليمة منها على سبيل المثال النجاح و التفوق الدراسى بدون استذكار كاف او التفوق رياضيا بدون التدريب الشاق و المستمر...الخ.

ثم تتطور تلك الحالة لتصاحب الطفل بعد اتمامه لدراسته وانخراطه فى العمل فيميل كثيرا الى اتمام الاعمال بدون التركيز المناسب او الاعداد الجيد لها طمعا فى اطراء المدير وانتظارا لعلامات الدهشة والانبهار عندما يعلم بأن مرءوسيه قد اتم المهمة فى اسرع وقت وبأقل جهد ممكن على الرغم من صعوبتها و احتياجها الى الكثير من العمل.

ولأن المدير قد تربى على النهج ذاته فإنه قد لا يلقى بالا لمن يقوم بالعمل من خلال اتباع الاساليب الادارية و التنظيمية المطلوبة بل قد ينزعج من قيام احد مرءوسيه باتباعها و يقارنه بمن قام بالمعجزة.

ولفظة «معجزة» هى المناسبة تماما لتوصيف ما حدث وقد يعيطها البعض الآخر لفظ «الصدفة» تماما مثلما ننظر الى مطرب محدود الامكانيات وقد وصل الى مصاف النجوم الكبار مقارنة بآخرين افضل منه فى الصوت و الأداء واختيار الكلمات، وتبدأ المأساة فى التضخم عندما يشعر هذا المطرب بأن ما وصل اليه هو نتيجة تفوقه و إبداعه ثم يتفاقم الأمر عندما يبدأ فى اعطاء نصائح للآخرين ويهاجم من ينتقده ويصفهم بالحقدة أعداء النجاح.

ولأنه لا يصح فى النهاية الا الصحيح فمن واجب الأهل ان يقوموا بتشجيع أبنائها بالطبع ولكن عليهم أيضا ان يعلموهم بأن ما حدث وعلى الرغم من أنه أمر مبهر إلا أنه لا مناص من العمل و الجد والاجتهاد لضمان استمرارية النجاح ونفعه للجميع.

خطيئة أخرى نقوم بها جميعا وهى أننا لا نظهر حالات الفشل نتيجة الفهلوة و التسرع مقارنة بحالات النجاح فبالعودة الى مثال المطرب السابق الاشارة اليه يجب ان نوضح كم عدد المطربين الذين مازالوا فى المربع رقم صفر يطلقون العنان لحناجرهم من فوق عربات الكارو المغطاة بسجاد ملون فى الافراح الشعبية أو بمن توقف تماما وعاد الى مهنته الأصلية تاركا الفن ومطلقا سيلا من عبارات وآهات الالم و الحسرة والإحساس بالاضطهاد متحدثا عن مؤامرات كونية لإفشاله.