الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
ترومان شو

ترومان شو

لنجم الكوميديا الأمريكى الشهير جيم كارى فيلم إنتاج عام 1998 باسم «ترومان شوThe Truman Show» ربما يكون هو الفيلم الجاد الوحيد فى مسيرته الفنية يتحدث عن شخص يدعى ترومان يعمل فى إحدى شركات التأمين ويعيش حياة روتينية جدًا داخل مدينته الصغيرة التى لا يستطيع مغادرتها جوًا أو بحرًا نتيجة عقد فى الطفولة تكونت لديه جعلته يهاب الطيران أو ركوب البحر.



وفى لحظة شجاعة يتخلص من تلك المخاوف القديمة ويصعد إلى سطح أحد المراكب ويجوب البحر فى قارب صغير وبعد فترة من السير بالمركب يجد حافة المركب وقد اصطدمت بالسماء التى كان يراها فى الأفق البعيد فى كل مرة يقف عند شاطئ البحر محاولًا كسر تلك العقدة القديمة.

كان اصطدام المركب بلوح خشبى مدهون بلون السماء هو بداية الخروج من الحلقة المفرغة والتى من خلال تحسس ذلك اللوح الخشبى وجد مقبضًا صغيرًا لباب خشبى قام بفتحه وتخطى عتبة الباب ليجد نفسه فى استوديو تصوير كبير واكتشف أنه كان خلال سنوات عمره كلها مجرد ممثل استغلته إحدى القنوات التليفزيونية لعمل برنامج لتليفزيون الواقع Reality Show وأن كل أسرته وزوجته وأصدقاء العمل ومن يسير فى الشوارع مجرد ممثلين يقومون بدورهم فى هذه التمثيلية الكبيرة لسنوات عدة وأنه كان ضحية لوسائل الإعلام التى استغلته أسوأ استغلال من خلال بث حياته على مدار الساعة إلى جميع متابعيها فى كل دول العالم.

الفكرة كانت جديدة وصادمة وخرافية ومخيفة فى نفس الوقت وهو كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تتحكم فى طفل صغير لمدة أكثر من ربع قرن وتقوم بتوجيهه واستغلاله لتحقيق مكاسب طائلة وكيف أن كل من هم حوله مشاركين فى تلك المؤامرة التى كان هو ضحيتها الوحيد.

كان هذا قبل عشر سنوات من بداية انطلاق شبكات التواصل الاجتماعى والتى أصبحت تتحكم فى مستخدميها بطريقة مشابهة لمخرج ترومان شو وما فعله مع الطفل ترومان فتجعلنا نميل إلى أشياء ونكره أشياء أخرى وتتعرف على أمزجتنا وحالتنا النفسية وأين نذهب وماذا نحب أن نقتنى كما تتعرف على أصدقائنا وعلى ما نتحدث إليهم من خلالها وتقوم بإرسال العديد من الرسائل المباشرة إلى عقولنا والعديد من الرسائل غير المباشرة التى يتم صبها فى عقلنا الباطن صبًا بدون أن نشعر ويتم استعدائها لاحقًا لدفعنا فى اتجاهات معينة بل قد تدفع البعض إلى التمرد على أهله وعمله ودينه ودولته.

الحل يكون مثلما فعل ترومان أى أن نقوم بكسر حاجز الخوف والانزعاج من ترك تلك الشبكات وأن نفتح باب الحرية لنتنفس نسائم الحرية والعلوم والآداب المختلفة من مصادرها النقية وأن نطلق العنان للقدرات التحليلية لعقولنا لنستعيد قدرتنا على التقييم والفرز.

 

ويبقى السؤال دومًا: هل نستطيع أن نفعل ذلك؟ وقبله السؤال الأهم: هل ندرك خطورة ما نحن فيه؟... أتمنى ولكنى للأسف أشك.