الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 70

لغة الجينات 70

فيه ناس بتحترف شغلانة لطيفة جدًا اسمها «التبرير».. اللى بيحترف الشغلانة دى من أصحاب الجينات الخبيثة..اسمه «المبرراتى» وده بطبعه  شخص لزج.. سمج.. بابتسامة صفراء..فى الظاهر ودود وطيب ورافع راية المظلومية والوقوف مع الناس ومساعدتهم.. يقدم أعذارًا وأسبابًا تبدو للنظرة الأولى  مقنعة ومنطقية،..وفى الباطن خادم أمين بيمارس شغله بهمة ونشاط.. بيبرر أى موقف أو تصرف أو قرار لمتبوعه  بطريقة حكيمة من نوعية «هو ده الصح» كان لازم يحصل كده من زمان « «غصب عننا والله» و«ده أقل الضررين. «المبرراتى» صاحب الجينات الخبيثة.. هتلاقيه حواليك فى كل مكان شغلك سكنك.. النادى.. حتى القهوة اللى بتقعد عليها.. فى الظاهر صاحب مبدأ...مؤمن بأفكار وبيدافع عنها.. متمسك بالفضيلة والأخلاق.. وفى الباطن هتلاقيه نموذج لما كتبه الشاعر الجميل الراحل عمنا أحمد فؤاد نجم وغناه الشيخ إمام..  «يا واد يا يويو يا مبرراتى يا جبنة حادقة على فول حراتى.. أستك لسانك..فارد ودانك.. حسب الأبيج يا مهلباتى..يا واد يا يويو يا مهلبية فوق الصوانى سايحة وطرية... فى كل جلسة تلبس قضية وتخيل عليها أوى.. يا مشخصاتى... حسب الوظيفة وأنت وشطارتك..تظهر حلاوتك..تظهر مرارتك.. لو خفضوك ترتفع حرارتك لو صعدوك تنقلب جيلاتى. 



«المبرراتى» فى الظاهر شخص كذاب ضعيف بلا شخصية.. ينسحق سريعًا أمام مغريات زائلة.. وفى الباطن يشعر بالخطأ ولكنه يسعى للتملص من أفعاله بالمزيد من الأكاذيب وتبريرها لنفسه بـ «ليس فى الإمكان أبدع مما كان «.. دائم الهروب من المواجهة.. يعيش حالة من الحرب النفسية الداخلية هو فيها الجلاد والضحية.

«أصحاب الجينات الأصلية» لايعرفون هذا النوع من العمل.. لايطيقون التبرير ولا المبرراتية.. فى الظاهر قد يتعاملون مع المبرراتى.. يستمعون له.. وفى الباطن لاينخدعون.. كاشفين زيفه وخبثه.

«أصحاب الجينات الأصلية» مواقفهم واضحة وآراؤهم نابعة من قناعتهم وذاتهم.. ثابتون على المبدأ لا على المصلحة..حياتهم كلها فى النور.

«أحمد فؤاد نجم» أو الفاجومى واحد من أصحاب الجينات الأصلية الثابتين على المبدأ.. المستعدين لدفع سنوات من عمرهم أو حتى عمرهم كله من أجل مبادئهم ويقينهم. «الفاجومى» فى الظاهر شاعر سليط اللسان لا يعرف المجاملة،عايش حياته لنفسه وملذاته.. وفى الباطن يمتلك قلب طفل..ضعيف جدًا أمام الفقراء والحالات الإنساية مستعد لدفع آخر جنيه فى جيبه علشان يسعد ناس لايعرفهم..كان مسافر بيروت لتصوير حلقة تليفزيونية واتفق مع القناة على 1000 دولار.. والقناة وافقت وبعتتله عربية، وفى الطريق ضرب صحوبية مع السواق، تعاطف مع حاله وفقره والبؤس الذى يعيش فيه، بعد ما انتهى من تصوير الحلقة، عزم السائق وأسرته وجيرانه ومعارف السائق على العشاء و صرف الألف دولار وهو كل مايمتلكه وقتها وبدأ يقترض علشان يكمل أيامه فى بيروت..

سألوه على العزومة وليه وهو مافيش معاه غير الفلوس دى.. ضحك ضحكته الرايقة العالية قائلاً: أنا لقيت ناس نفسها تفرح، قلت خليهم ياكلوا وينبسطوا لو حتى مرة واحدة فى حياتهم.

«الفاجومى» فى الظاهر ملء السمع والبصر.. صديق الجميع وزراء وسفراء وأمراء ومسئولين.. وفى الباطن عاش هو نفس الشخص البسيط الباحث عن الضحكة الصافية والمودة الحقيقية وراحة البال.. عاش يساعد الناس حتى لو سرقوه... واحد من المترددين عليه سرقه فعلًا.. السرقة كانت طريفة وموجعة فى الوقت فسه.. سرق باكو شاى.. اللى شافوه قالوا لأبو النجوم «فلان»سرقك.. كانوا فى انتظار رد الفعل ولسان نجم اللى هيلسوعه طول السهرة والضحك المستمر  للفجر.. قال لهم : ولا حد يكلمه ولاكأنكم اخدتوا بالكم من حاجة، ولما وصل  الشخص ده، طلع «نجم» نقود من جيبه وأعطاها للرجل.. قالوا له  سرقك و تعطيله نقودًا كمان، رد: عايزين تفضحوا واحد غلبان، الدنيا دايسة عليه، لحد أنها اضطرته يسرق تلقيمة شاى، خليكم حنينين يا كفرة.

«الفاجومى» فى الظاهر شخص يعيش للملذات وفى الباطن كان على يقين أن الله يحبه.. ويردد دائمًا أنه طامع فى الجنة وأن ربنا هيسامحه.

«نجم» بعد حصوله  على جائزة الأمير كالاوس»، الهولندية، وتبلغ قيمتها 100 ألف يورو» مليون جنيه وعشرات الآلاف «، ذهب للبنك وطلب من الموظف أن يضع المليون كاملاً فى حساب مستشفى سرطان الأطفال.

وقال له نصًا: «حط الفلوس دى فى المستشفى اللى بتعالج العيال الغلابة من السرطان»، ثم طلب منه أن يوزع المبلغ الصغير المتبقى على نوارة وزينب وأميمة.

وبعدها سحب  خمسة آلاف جنيه ووضعها فى جيبه، وعلى  باب البنك أعطى موظف الأمن خمسمائة جنيه، وطول الطريق كان «يكبش» ويناول المال لكل مَن يقابله وهو يردد: «خد دول، هات حاجة لولادك».

بعدها ركب تاكسى  ورجع على البيت فى المقطم  وأعطى السائق كل ما تبقى فى جيبه.. سواق التاكسى بص له باستغراب.. ضحك عم نجم وقال له: «رزق العيال».

«فى  اليوم  ده تحديدًا.. مات  أحمد فؤاد نجم.. مات بعد ما وزّع ثروته على الناس الغلابة.. الناس اللى  عاش بينهم ومعهم ودافع عنهم ودخل السجن بسبب انحيازه لهم.

احذر من التبرير و«المبرراتية».. فالتبرير مرض عضال نهايته مؤسفة، ونتيجته مُـرَّة على صاحبه وعلى من يصدقوه. 

واعلم أن التبرير هو حالة من العجز يعيشها «المبرراتى « ويحاول التستر خلفها حتى لا ينكشف ضعفه المتأصل فى ذاته الدنيئة.

اعلم أن شراكتك فى الظلم تبدأ بالسكوت عنه، ثم التبرير له، ثم الرضا به، حتى تنتهى بالانشراح به صدرًا.