الخميس 13 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الأفكار الاشتراكية فى بيت الرأسمالية

الأفكار الاشتراكية فى بيت الرأسمالية

فوز زهران ممدانى برئاسة بلدية نيويورك لا يعنى أن طريقه مفروش بالورود، فالنظام الأمريكى العميق لن يتقبل بسهولة ما نادى به ممدانى من تطبيق الأفكار الاشتراكية، لما يملكه هذا النظام من قوة رأس المال وعمقه ونفوذه الكبير فى كل المؤسسات الأمريكية فى المجمل العام، لم يكن فوز زهران ممدانى برئاسة نيويورك مجرد حدث انتخابى هين وبسيط، بل كان بمثابة بركان سياسى واجتماعى شديد هز أمريكا بأكملها من الداخل، الحدث الانتخابى الكبير جاء من أهم المدن  الأمريكية وأكثرها تأثيرًا على المال العام والأعمال والسياسة، من قلب نيويورك صاحبة الأكثرية اليهودية من ناحية المال والأعمال والنفوذ خرج صوت شاب مسلم من أصول إفريقية وهندية يدعو لأفكار اشتراكية وتوجهات مناهضة للتمييز الطبقى والعنصرية، ويكون هذا الشاب الذى يبلغ من العمر 34 عاما أول من يفوز بهذا المنصب فى تاريخ نيويورك ليكون معارضًا لترامب بل ولكل سياسات ترامب الاقتصادية والعنصرية فى تحدٍ غير مسبوق سواء على مستوى المعارضة للسياسة الرئاسية الأمريكية أو بالنسبة لمدينة نيويورك أن يحكمها شاب اشتراكى فى مجتمع رأسمالى يقوم على المضاربة وحرية رأس المال ليحاول تغيير وجه نيويورك من الرأسمالية إلى بعض الأفكار الاشتراكية، المفاجأة الكبيرة أن فوز ممدانى برئاسة بلدية نيويورك هو أحد النتائج الكبيرة لحكم ترامب الذى أطلق بدوره العنان للعنصرية وطرد المهاجرين والانحياز التام والكامل للأغنياء، وهو ما أحدث انقسامًا شديدًا وعدم توازن بين الفقراء والأثرياء، لذلك التف جيل كامل مناهضا لسياسة ترامب حول ممدانى، وقفز هذا الجيل من الشباب الصغير من بين المدن الكبرى رافضًا خطاب الكراهية ويرى فى العدالة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية طريق الخلاص من الاستغلال وطبقة الأثرياء، وهذا الجيل الجديد من الشباب فى أكبر المدن الأمريكية «نيويورك» هو جيل أكثر وعيًا وأكثر تصميمًا على استعادة روح المساواة، ومن هنا يمكن القول أن ممدانى هو النتيجة الأكثر احتجاجًا على سياسات ترامب ورد الفعل الشعبى ضد هذه السياسة الترامبية، الظاهر أن الإحباط واليأس لم يجدا طريقًا إلى الشباب الأمريكى المفعم بالأمل والتغيير الديمقراطى، لذلك جاء بممدانى ولم يعترض على أنه شاب مسلم أو من أصول إفريقية أو هندية أو صغير السن، ولكن هذا الشباب الذى جاء من مدينة المال والأعمال والتى هى بدورها لم تكن يوما بعيدة عن المال والنفوذ، لكن هذه المدينة هذه المرة قالت لا للمصالح والعقارات ولا لحكم الشركات والاحتكار وتحولت هذه المدينة منبرا للمستضعفين ورفع الناس شعارات لا للمال، وما يمثله هذا المال من استغلال واحتكار وما تمثله سياسات ترامب من التمييز والتفاخر بالثروة والاستخفاف بالإنسان الفقير واحتكاره.



فات كل المتابعين لعملية انتخاب ممدانى أن لا شىء يحدث مصادفة فكل شىء يحدث ويجرى ويتم فى أمريكا هو بالعلم والترتيب والعقل وإرادة المجتمع هو التغيير بالديمقراطية والحرية حتى يجدد المجتمع نفسه سياسيا واقتصاديا، ليقفز إلى تطور جديد يراعى متطلبات العصر ومصالح الأغلبية الأمريكية وليس الخاصة أو الأقلية، إن على مراكز الأبحاث أن تدرس عملية انتخاب زهران ممدانى بشكل متكامل خصوصًا أن هذا الشاب منحاز إلى القضية الفلسطينية وينادى بإقامة دولة فلسطينية وينتظر أن تنتشر ظاهرة ممدانى فى كثير من الولايات الأمريكية وهذه العملية تمثل تجديدا لكل السياسات الأمريكية وأيضا تنبئ بأن ظاهرة ترامب تخفت وتتقلص، خصوصا أنه مر على سنوات حكمه عام ولم يتبق له غير ثلاث سنوات، إن ما يجرى فى نيويورك هو عبورها من حال كان استمراره مستحيلا إلى حال تحمل فى طياتها حركة الاستمرار والتجديد.

ونحن نستعرض تجربة زهران ممدانى هذه التجربة المهمة وسط الأحداث العالمية والحدث الأهم بالنسبة لنا كمصريين انتخابات مجلس النواب التى تتم هذه الأيام ويجمع كل الناس على أهمية هذه الانتخابات والدور الكبير الذى يمكن أن يلعبه مجلس النواب الجديد وسط الأحداث المتسارعة من حولنا، خصوصا أن مصر تقع فى بؤرة هذه الأحداث، وكما يقال أن هناك إعادة تشكيل لمنطقة الشرق الأوسط والمستهدف من هذا التشكيل هو مصر التى تحيطها من كل الجوانب أخطار كبيرة فى السودان الحرب الأهلية والتوحش وعمليات الإبادة التى تقوم بها عصابات الانتشار السريع، تمهيدا لتجزئة السودان وتستغل إثيوبيا الحرب الأهلية السودانية لاستقطاع جزء من أرض السودان يطل على البحر الأحمر، ليكون ميناء لها، حيث إنها دولة مغلقة، وفى ليبيا عدم استقرار وفى غزة محاولة تثبيت وقف إطلاق النار، هكذا قدر مصر أن تحاط بها الأخطار من كل جانب، وهو ما يتطلب أن يكون مجلس النواب الجديد على رؤية وعلى قدرة لمواجهة تلك المخاطر والتحديات والوعى الكامل لما يحاق لهذا الوطن من مخاطر والمساس بأمن مصر ومحاولة الصغار القفز على الدور المصرى بخلاف الدور الاقتصادى الذى يجب أن يقوم به مجلس النواب الجديد من تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل الناس.

ونقول لمرشحى مجلس النواب أنه لا حياء فى  السياسة كذلك لا حياء فى الالتزام فمن يجد نفسه مرشحا يحمل شرفًا، فليستمر فى مطلق الأحوال، فإن الناس يعرفون كيف يميزون بين من هو جدير بنهج الوقوف مع الناس ومن هو منتحل صفة، لقد اهتزت ثقة الناس بعدد كبير من المدَّعين والمطلوب لاستردادها التركيز على تلبية مطالب الناس ولا شىء غير ذلك وأمامكم ظاهرة زهران ممدانى.