عصام عبد الجواد
حلم استعادة نفرتيتى
يوم الجمعة الماضى الموافق 7 نوفمبر كان يومًا فاصلًا فى تاريخ السياحة المصرية، بعد أن كانت المفاجأة غير المتوقعة بوصول عدد الزائرين للمتحف المصرى الكبير أكثر من 30 ألف زائر، وهناك ما يقرب من 20 ألفًا آخرين كانوا ينتظرون الحصول على تذكرة دخول، إلا أن الجهات المنظمة رأت أن ذلك قد يؤدى إلى خطورة على الزائرين من شدة الازدحام، فقامت بإيقاف حجز تذاكر الدخول عند الساعة الثانية ظهراً، الأمر الذى يؤكد صدق توقعات المسئولين المصريين القائمين على فكرة إنشاء هذا المتحف العملاق الذى يعد من أكبر وأهم متاحف العالم على الإطلاق، فبعد أكثر من 20 عامًا من البناء تم افتتاح أكبر وأعظم متحف فى التاريخ الحديث، والذى ينعش آمال استعادة كنوزنا المنهوبة وعلى رأسها تمثال نفرتيتى الأسطورى رمز الجمال والغموض المعروض بكل ما يخالف القواعد الأخلاقية فى متحف برلين فى ألمانيا منذ أكثر من قرن، والعالم كله يعرف ويعلم أن هذا الأثر الفرعونى العظيم هو أثر مصرى فرعونى لا يخص الحضارة الألمانية فى أى شىء، بل هو من صميم الحضارة المصرية الفرعونية القديمة، ولا بد أن يعود إلى بلده وتاريخه الأصلى فى مصر.
وفى هذه اللحظات التاريخية التى تم فيها افتتاح المتحف المصرى الكبير لا بد أن نستغل هذا الحدث الثقافى الذى يمثل لحظة تاريخية فارقة فى مسيرة الحفاظ على الهوية المصرية واستعادة الإرث الحضارى الذى تمت سرقته على مدار عقود من الزمن، خاصة بعد أن استطاعت مصر استعادة 36 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية، فى خطوة اعتبرها البعض بداية مرحلة جديدة من الدبلوماسية الثقافية التى تهدف إلى إعادة القطع المهربة من الخارج.
فإذا علمنا أن عدد قطع الآثار المسروقة فى الخارج سواء فى دول أوروبا أو أمريكا أو دول العالم من الخليج إلى المحيط يبلغ ما يزيد على مليون قطعة أثرية، فإن هذا معناه أن هذه الدول التى ليست لها حضارة أو أصل فى التاريخ، تريد أن تتباهى بحضارة ليست حضارتها، وعلينا كمصريين أن ندشن هيئة مصرية عالمية قانونية ودبلوماسية تكون مهمتها استعادة كل قطعة أثرية ووضعها فى متحف كبير يتم إنشاؤه خصيصًا لهذه الآثار، ثم كتابة الدولة التى سرقت هذا التمثال وكيفية إعادته حتى يكون عظة وعبرة للدول التى تتربح بأموال ضخمة نتيجة وضعها لهذه الآثار المصرية فى متاحفها، وتحصل من وراء ذلك على أموال كبيرة، بالإضافة إلى وضع مجسمات للتماثيل التى لم تتم إعادتها، ويتم وضع تاريخها الأصلى ثم تاريخ سرقتها من مصر واسم الدولة التى سرقتها ولم تعدها وتتم كتابة أسباب عدم إعادتها والأموال التى تحصل عليها هذه الدولة نتيجة عرضها لهذه الآثار وتحرم مصر من وجود هذه القطع على أرضها التى خرجت منها وحجم الخسائر المادية التى تتكبدها مصر نتيجة عدم عرض هذه الآثار.
افتتاح المتحف المصرى الكبير بهذا الحجم الذى أبهر العالم أجمع سوف يكون له دور كبير فى استعادة كل قطعة أثرية بعد أن عرف العالم تاريخ مصر الحقيقى، وشاهد ورأى هذا الحدث الضخم الذى لم يتوقعه أحد على الإطلاق.
المتحف الكبير لا يمثل فقط احتفالًا بالحضارة المصرية بل هو أيضًا إعلان عن ميلاد قوة ثقافية ناعمة جديدة وبينها تتلألأ كنوز توت غنخ آمون وخوفو داخل جدرانه ويبقى حلم استعادة نفرتيتى قائمًا كرمز لمعركة مصر المستمرة لاسترجاع هويتها التاريخية الكاملة.
حفظ الله مصر قيادة وشعبًا وجيشًا.









