الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
المؤخر

المؤخر

عندما تجلس بجوار قائد السيارة وتنظر من النافذة فانك تتعرف على العالم من حولك بصورة شديدة الدقة تختلف كثيرا عن الحالة التى تكون فيها أنت الذى تقود السيارة، فانشغالك بالطريق وبالقيادة ربما يمنعوك من ملاحظة الكثير من التغييرات التى تحدث من حولك وهذا ما حدث خلال الاسبوع الماضى، فبينما يقوم أحد الزملاء بقيادة السيارة تاركا لى العنان لمتابعة ومراقبة العالم من حولى وجدت على أحد الطرق السريعة لافتات صغيرة تحمل اسما من أسماء الله الحسنى يفصل بينهم مسافة لا تزيد علي 100 متر، وهنا وجدتنى أتوقف كثيرا عن اسم الله «المؤخر» والذى شعرت أننى أتعرف عليه للمرة الاولى.



فالمؤخر هو اسم يأتى من التأخير والتأخير هو اسم لا نراه جيدا فمن منا يرغب فى التأخير فى أى أمر من أمور حياته كبر أم صغر، وهنا بدأت مجموعة من الأسئلة فى التبادر الى الذهن ومقارنات مع اسم الله «المقدم»، والذى يرتبط دائما بالتعجيل والإسراع وهى أمور نراها دوما مطلوبة بل ونسعى اليها دائما.

وبما أنه معلوم أن كل أسماء الله تدل على أفعال حسنة فإن السؤال قد تبلور إلى «كيف يكون التأخير حسنا؟» فعلى سبيل المثال كيف يكون حسنًا أن أتاخر عن عملى أو مذاكرتى أو عن القيام بأحد واجباتى أو أن أتأخر فى سباق الحياة بصورة عامة، وكيف يمكن أن نعتبر هذا امرا مطلوبا وخاصة عندما ياتى هذا التأخير نتيجة الترتيبات الربانية.

تلك التساؤلات دفعتنى الى البحث عن معنى اسم الله «المؤخر» وهنا وجدت أن المؤرخ الاسلامى الكبير ابن الاثير يقول «والمؤخّرهو الّذى يؤخِّر الأشياء فيضعها مواضعها، وهو ضدّ المقدّم « وقال ايضا الخطابى احد ائمة الشافعية الكبار «المُقَدِّمُ هو المنزِّل للأشياء منازلها، يقدّم ما شاء منها، ويؤخّر ما شاء: قدّم المقادير قبل أن يخلق الخلق، وقدّم من أحبّ من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق فوق بعض درجات، وقدّم من شاء بالتّوفيق إلى مقامات السّابقين، وآخّر من شاء عن مراتبهم وثبّطهم عنها، لا مقدّم لما أخّر، ولا مؤخّر لما قدّم.»

وفى الحقيقة ولانه «خلق الانسان عجولا» فإن أى تقديم للأمور الحسنة من وجهة نظرنا نرغب فيه وفى المقابل فان تاخيرها يصيبنا باليأس والانزعاج، ولهذا فإن التأخير والتقديم لا ينظر اليهما فى التوقيتات الخاصة بحدوث الامور فقط ولكن يمكن أن ينظر اليهما فى تقديم او تأخير بعض المخلوقات على بعض او جنس على جنس أو مكان على مكان.

ولكننا فى الواقع لاننظر الى امور التقديم والتاخير بنفس النظرة ولا ننفعل معهما بنفس نوع الانفعال ولذلك فإننا نرتاح كثيرًا إلى القول بأن «خير البر عاجله»، ولا نشعر بنفس الراحة فى قول «كل تأخيرة وفيها خيرة».

ولكن كل منا لديه عشرات القصص التى رغب فى حدوث أمر ما وتأخر عن الميعاد الذى رغبه فيه فانزعج واحتد ثم أتى الأمر فى توقيت متأخر قدره الله «المؤخر» فوجده هو التوقيت الأنسب والافضل، ولكن بعد قضاء مدة طويلة فى السخط والانتظار.

نتمنى أن نعيد فهم اسم الله «المؤخر» لتطيب لنا الحياة فى الكثير من الامور.