بلد شهادات
أتذكر آخر محاضرة لى فى كلية الهندسة وبعد أن فرغ الدكتور من إلقائها وقبل أن يتمنى لنا مستقبلا سعيدا أن بادرنا بنصيحة أعتبرها مهمة جدا حيث أشار إلى أننا لا يجب بالضرورة أن نعمل فى مجال مرتبط بالشهادة والتخصص وهى نصيحة ألقاها وغادر قاعة المحاضرات وتركنا فى حالة من الدهشة وربما الإحباط.
أتذكر كم كنت منزعجا لدى سماع تلك النصيحة فما اعتقدت أنه الصواب ولا صواب غيره أن الضرورة تقتضى أن يعمل كل خريج فى مجال تخصصه فيعمل خريج الهندسة مهندسا ويعمل خريج الطب طبيبا ويعمل خريج الحقوق محاميا ويعمل خريج التجارة محاسبا...إلخ. ومع أن تلك النصيحة كانت غريبة فى وقتها إلا أنها كانت استشرافا صادقا لواقع المستقبل وكلما وجدت خريجا لا يعمل فى مجاله تذكرت كلمات هذا الأستاذ بل وأتعجب كل العجب عندما أجد مبرمجا ماهرا خريج كلية التجارة أو الآداب أو أجد مهندسا وقد تحول إلى تجارة الملابس أو طبيبا هجر مهنته وتحول إلى خبير فى الأمن السيبرانى أو الذكاء الاصطناعى مثلا.
قصص هذا التحول والاختلاف بين الدراسة والعمل كثيرة ومتنوعة منها ما هو مرتبط بمجموع الطالب فى الثانوية العامة سواء كان مجموعا صغيرا أجبر من يحب الهندسة إلى دخول كلية أخرى أو استخسار الأهل لمجموع كبير حصل عليه ابنهم ورغبتهم فى أن يروه طبيبا كبيرا على الرغم من عشقه للموسيقى أو الكتابة الأدبية أو الرسم مثلا.
كان هذا قبل انتشار المعلومات بهذه الصورة الكبيرة التى أتاحتها ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال حيث تمكن الجميع من الاطلاع على ما يحبون بغض النظر عما يدرسون وهذا الاطلاع سمح لهم بتنمية مهاراتهم فى المجالات التى يحبونها ويرغبون فيها بغض النظر عن طبيعة دراستهم التى أجبرتهم عليها الظروف ومع أيضا الاتجاه إلى تقييم المتقدم إلى العمل بما يعرفه من معارف وما لديه من مهارات مكتسبة وما يحمله من شهادات معتمدة Certificates بغض النظر عن شهادته الجامعية وتخصصه الأصلى وهو توجه فى غاية الفاعلية ويساهم فى تحقيق نتائج باهرة للمؤسسات والشركات نظرا لارتباط هذا بالشغف والحب اللذين قد يكونا مفتقدين بشدة لدى خريج كلية لم يكن يرغب فى الالتحاق بها لسبب أو لآخر.